قمة فرنسية أفريقية لمكافحة الاٍرهاب فى الساحل

بعد 6 سنوات من انطلاقها، ما زالت «قوة برخان» العسكرية الفرنسية المنتشرة في بلدان الساحل «موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد» تلاقي صعوبات جمة في احتواء التنظيمات الإرهابية التي وسعت أنشطتها، خصوصاً في «المثلث الحدودي» (مالي والنيجر وبوركينا فاسو). 

ولا يمر أسبوع من غير أن تقوم التنظيمات الإرهابية بعمليات واسعة تستهدف فيها قوات هذه البلدان الثلاثة، خصوصاً في مالي والنيجر، آخرها العملية التي استهدفت معسكر «شيناغودار» النيجري القريب من الحدود المالية، التي سقط بنتيجتها 25 جندياً نيجرياً. ولو لم يسارع الطيران الفرنسي الحربي المرابط قريباً من مطار واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، لكانت النتيجة أكثر إيلاماً للقوات النيجرية. وتشكل هذه العملية حلقة في سلسلة طويلة من العمليات، مثل تلك التي قام بها تنظيم داعش يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والتي أوقعت 71 جندياً وضابطاً نيجرياً في قاعدة «إيناتيس». والأمر نفسه تكرّر يوم 25 الشهر الماضي «14 عسكرياً قتيلاً». ووفق إحصائيات الأمم المتحدة، فإن 4 آلاف شخص قتلوا في البلدان الثلاثة وحدها في عام 2019.
إزاء هذا الوضع، تعدّ باريس التي تتحمل العبء الأكبر في بلدان الساحل في محاربة الإرهاب، أن الأمور يجب أن تتغير وهي تريد مشاركة ودعماً دولياً أكبر. إلا أن فرنسا تواجه مشكلة إضافية تتمثل في الحركة المعادية لها التي تتطور في هذه المنطقة، خصوصاً في مالي وبوركينا فاسو. ففي مالي، سارت قبل 4 أيام في العاصمة باماكو، بدعوة من منظمات المجتمع المدني وعدد من الأحزاب، مظاهرة ضمت عدة آلاف من الأشخاص، وفق المنظمين، تطالب بـ«خروج القوات الأجنبية» من البلاد، والمقصود بها الفرنسية. ومن الشعارات التي رفعت: «الحكومة الفرنسية تعيق تنميتنا»، و«فرنسا إلى الخارج»، و«قواتنا (الوطنية) قادرة على توفير الأمن». وأقدم بعض المتظاهرين على إحراق العلم الفرنسي.
إزاء هذا الواقع المعقد، عدّ الرئيس الفرنسي أن هناك حاجة لقمة تضمه إلى جانب قادة الدول الخمس من أجل «توضيح» الوضع. وكان ماكرون يريدها أواسط الشهر الماضي، إلا أن بعض «الأخطاء» البروتوكولية أثارت حساسيات عدد من القادة الأفارقة، وتحديداً في باماكو وواغادوغو، الأمر الذي حمل باريس على تأجيلها إلى اليوم. وخلال زيارته إلى ساحل العاج والنيجر، قبيل نهاية السنة الماضية، أوضح ماكرون ما يريده من القمة. كذلك فعلت وزيرة الدفاع فلورانس بارلي.
وبعد أن أشار أكثر من مرة إلى أن «كل الخيارات مطروحة»، الأمر الذي فهم على أنه تهديد مقنع بسحب قوة «برخان»، استبعد الرئيس الفرنسي هذا الخيار «لأن مهمة برخان أساسية لفرنسا»، وأن باريس «مستمرة بالقيام بها مع شركائنا الأفارقة والأوروبيين». لكن، إلى جانب التصميم على السير بهذه العملية التي تكلف الخزينة الفرنسية 700 مليون يورو في العام، إضافة إلى كلفتها الإنسانية «43 قتيلاً من القوة الفرنسية»، فإن ماكرون يريد إعادة رسم «الإطارين السياسي والاستراتيجي» للعملية. وتريد باريس أن يتبنى القادة الأفارقة سياسياً عملية «برخان» وأن يقنعوا الرأي العام بها، ويدافعوا عنها.
وكانت وزيرة الدفاع أكثر وضوحاً بقولها أول من أمس، إنه «يتعين بداية أن يعبر المسؤولون السياسيون عن موقف واضح عما يريدونه أو لا يريدونه»، مضيفة أن القمة ستكون «حاسمة» وستوفر الفرصة «لوضع كل القضايا على طاولة البحث»، وأن «ننظر بالمآخذ كافة وبالحلول كلها».
وباختصار، فإن باريس تريد تعزيز شرعية وجودها في بلدان الساحل، حيث تتهم بأنها تدافع أولاً عن مصالحها وليس مكافحة الإرهاب. بيد أن باريس تريد أكثر من ذلك. فالرئيس الفرنسي وسع دائرة الدعوات للحضور لتشمل الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس المجلس الأوروبي، ورئيس لجنة الاتحاد الأفريقي. وليس سراً أن باريس محبطة من عدة أمور، وأولها بطء بروز القوة الأفريقية الجماعية المشكلة مبدئياً من عناصر من بلدان الساحل الخمسة. وحتى الآن، ما زالت هذه القوة تعاني من نقص في التدريب والتمويل، وكان التعويل عليها لتتمكن من تولي شؤون محاربة الإرهاب في البلدان الخمسة. لكن وجودها ما زال نظرياً.
والإحباط الثاني مصدره المساهمة الأوروبية. وأكثر من مرة، قال الرئيس ماكرون إن بلاده تحارب الإرهاب في هذه المنطقة «بالنيابة عن أوروبا». والحال أن المساندة الأوروبية، تكون إما لوجيستية وتحديداً نقل القوات أو تدريبية، أو استعلامية - استخباراتية. وحتى اليوم، ليس ثمة أي جندي أوروبي يعمل ميدانياً. ورهان باريس على إنشاء قوة «كوماندوس» أوروبية تسمى «تاكوبا» أي «السيف»، وافقت عدة دول على المشاركة فيها، لكن الأمور ما زالت في بداياتها.
فالعواصم المشاركة تحتاج مبدئياً لقرارات من برلماناتها، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم. وبالتالي يتعين انتظار عدة شهور إضافية قبل أن تبرز نواتها. وكانت باريس تعول كثيراً على الدعم الأميركي، خصوصاً في ميدان الاستعلامات. لكن تصريحات صدرت عن مسؤولين أميركيين لجهة خفض الحضور الأميركي في غرب أفريقيا تقلق المسؤولين الفرنسيين.
إزاء هذا الواقع، ينتظر أن تطلق القمة اليوم «نداء للتضامن الدولي» لمزيد من المشاركة في محاربة التنظيمات الإرهابية في منطقة بالغة الحساسية، خصوصاً بالنسبة لأوروبا التي تقع في جوارها الجنوبي المباشر. ومن جهة أخرى، فإن الرأي العام الفرنسي أخذ يعبر عن إشارات فقدان الصبر إزاء استطالة أكبر عملية فرنسية في أفريقيا «4500 رجل مع أعتدتهم وسلاحهم بما في ذلك السلاح المجوقل». والسؤال الذي يطرحه كثيرون هو: إلى متى سوف تستمر هذه العملية؟ وتزداد الأسئلة إلحاحاً كلما سقطت ضحايا فرنسية جديدة. فهل ستستطيع قمة اليوم الإجابة عن هذه التساؤلات؟

الشرق الاوسط

اثنين, 13/01/2020 - 09:39