
بعد زيارة وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الأخيرة إلى واشنطن والتصريحات التي أدلى بها مستشار ترامب، مسعد بولس، بشأن الصحراء الغربية بعد ذالك إضافة إلى الوضع الداخلي المتوتر للنظام، تكثف السلطات المغربية من نشاطها ودعاياتها لتشويه صورة نضال الشعب الصحراوي، وبعث روح اليأس في نفوس الشعب الصحراوي لإيهامه أن الحل النهائي لقضيته هي "الرضوخ والقبول بالحكم الذاتي المغربي".
فبعد موقف ترامب الجديد/القديم، و الذي لم يكن يرقى إلى تطلعات النظام المغربي، عادت إلى الظهور في الآونة الأخيرة مجموعة كبيرة من الآراء الصادرة عن "نشطاء" وخبراء ودبلوماسيين حول قضية الصحراء الغربية؛ كل واحد على طريقته الخاصة، مدفوعًا بالرغبة ذاتها في "حل" الصراع. و يرى البعض أن في إطالة أمد هذه الأزمة يُعد إنجرافاً خطيراً لا يمكن السيطرة. ويدعو البعض الآخر، ممن يشعرون بالقلق إزاء تجاهل القانون الدولي، إلى احترام الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي. وفيما يرى آخرون، وهم في حالة من الذنب تقريبا، أن الصراع مستمر منذ عقود من الزمن، وأن الوقت قد حان لوضع حد فوري لهذا الصراع المتفاقم. و يزعم هؤلاء، بمشاعر إيثارية وعابرة، أن رغبة الشعب الصحراوي لا تزال غامضة. ومن بين كل الخيارات الممكنة لاحترام رغباته السياسية، فإنهم يدعون إلى الحل الأقل مصداقية، والأقل ديمقراطية، و الأقل واقعية.
لكنهم لا يكتفون بالتلميح، بل يكررون حتى الغثيان، أن مشروع الحكم الذاتي، وهو اقتراح فارغ وغير مناسب، هو الخيار الأفضل في الوقت الحالي، حيث يمكن أن يلبي تطلعات الشعب الصحراوي. ويضيف البعض، بحماس أكبر، صفة "ناشط صحراوي" لتمييز أنفسهم عن الباقين و إعطاء مصداقية أكثر لآرائه المشبوهة.
فمن وقت لآخر نرى أن البعض يقترحون بالفعل، كحل لإنهاء الإحتلال في الصحراء الغربية، قبول خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب في عام 2007. وقد دعمت هذه الخطة ما يسمى بخطتي بيكر الأولى والثانية، والتي فشلت لأسباب سياسية وقانونية معروفة.
الحق في تقرير المصير ليس خيارا، بل هو قدر محتوم. إنه مبدأ كفله القانون الدولي منذ ستينيات القرن الماضي للشعب الصحراوي، وثبَّتته عشرات القرارات الأممية. من أجل هذا الحق، قدَّم الشعب الصحراوي تضحيات جساما: آلاف الشهداء، ومئات المعتقلين في السجون المغربية، وعائلات مُشرَّدة في مخيمات اللجوء منذ عقود. و السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يرفض المغرب الاستفتاء؟
صحيح، هناك الكثير من التذمر بسبب عدم التوصل إلى حل للصراع، وبذلت الكثير من الجهود في البحث عن حلول، و مع ذلك فإن ما تم قبوله عند توقيع وقف إطلاق النار سنة 1991 باعتباره الحل الأكثر ديمقراطية وعدالة وقبولاً لا يزال بعيد المنال بسبب تعنت الموقف المغربي. ومن الغريب أن الجهود الكبيرة لدفن خيار الاستفتاء، رغم أنه هو المقترح الوحيد الذي حظي بقبول جبهة البوليساريو و المملكة المغربية، و حظي بالدعم الإجماعي من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، كلها بائت بالفشل حتى الآن.
بالنسبة للمغرب فإن حق تقرير المصير له تفسير خاطئ. وسيتم طرح نظام الحكم الذاتي الناتج عن المفاوضات لاستفتاء السكان المعنيين، وفقا لمبدأ تقرير المصير وأحكام ميثاق الأمم المتحدة. و من المعروف أن مبدأ تقرير المصير مختلف تماما؛ وإذا تحدثنا باللغة العامية، فإن من حق الشعب أن يختار مصيره، بما في ذلك تشكيل دولة مستقلة. أو كما يقول الدكتور كارلوس رويز ميغيل، فإن سيادة الإقليم تعود إلى السكان الأصليين. وعليه فإن الصحراويين هم الوحيدون المخولون بتحديد السيادة على الصحراء الغربية.
و قد اعتبر الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان أن الاستفتاء في الصحراء الغربية سيكون له فائز وخاسر، وهو المنطق الذي أخذه المغرب بعين الاعتبار بشكل جدي و بنى عليه خطته للحكم الذاتي. إن خسارة "منطقة الصحراء" أمر غير مقبول سياسياً من طرف النظام المغربي لأسباب عديدة. أولا، إن التوازن الدقيق الذي يحكم النظام المغربي مرتبط ارتباطا وثيقا بإحتلال الصحراء الغربية.
إنهاء الإستعمار ليس ضماً أو حكماً ذاتياً
إن التجربة التاريخية للقارة الأفريقية تكشف أن إنهاء الاستعمار ليس ضماً أو حكماً ذاتياً. إن هذا الحماس المتجدد مؤخراً يغلب أيضاً على مقترح جبهة البوليساريو الذي قدمه إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن في العاشر من أبريل/نيسان 2007، قبل أن يعرف العالم بمقترح الحكم الذاتي المغربي. وفي خضم كل هذه الضجة، انكشفت النوايا الحقيقية للعديد من المتحدثين والمبعوثين، وليس من المستغرب أن يثير ذلك الدهشة والشكوك ويدفع إلى التساؤل المشروع في مختلف الدوائر في المنطقة، وخاصة داخل المجتمع الصحراوي.
إن التجربة التاريخية للقارة الأفريقية تكشف أن إنهاء الاستعمار ليس ضماً، وأن إنهاء الاستعمار ليس استقلالاً. في سياق عملية إنهاء الاستعمار في أفريقيا، يرتبط حق تقرير المصير بكل بساطة بمفهوم الاستقلال وميلاد أمة جديدة. ومهما حاولنا الابتعاد عن هذا التقليد، فإن قضية الصحراء الغربية لا يمكن تناولها إلا في هذا السياق. ومنذ عام 1975، أدت محاولة فرض حل مختلف إلى حرب لم تبقي و لم تذر في منطقة المغرب العربي بأكملها و أدخلت شعوب المنطقة في حالة من القلق المستمر و عدم الاستقرار.
الحكم الذاتي المغربي هو ضم و مواصلة إحتلال غير شرعي
إن مقترح الحكم الذاتي المغربي، مهما كان مزينًا بالمديح، ليس أكثر من مجرد ضم. إن ما يدعوا إليه بعض "الناقمون" من الصحراويين هو ببساطة أسهل طريقة لفرض الأمر الواقع الاستعماري وشرعنته و يعتبرونه "الحل النهائي" للقضية الصحراوية، بغض النظر عن شرعيته من عدمها.
الحكم الذاتي هو استسلام يبدأ ب:
- تفكيك المقاومة الصحراوية وفرض الإحتلال وشرعنته. ما لم يكن من الممكن فرضه بالقوة أو الدبلوماسية لمدة نصف قرن.
- تحريف معنى حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير المتجذر في عقيدة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والتخلي عن كل ما يتعلق بتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.
- ضرب بعرض الحائط كل المكتسبات الدبلوماسية والعسكرية و السياسية للشعب الصحراوي بإغلاق سفاراته وممثلياته حول العالم.
- تحويل الجيش الصحراوي إلى ملحق للشرطة المحلية المغربية لضمان فرض الحكم الذاتي في الإقليم.
المرحلة الثانية من التوسع المغربي ستبدأ بعد فرض الحكم الذاتي الافتراضي في الصحراء الغربية. ويبدو واضحا أن أنصار الحكم الذاتي في منطقتنا يجهلون تمامًا ما قد يجلبه فرض الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية على المنطقة. وسيكون ذلك بمثابة بداية لمرحلة ثانية من التوسع في مختلف أنحاء المنطقة. و في هذه المواجهة الوجودية التي يواجه فيها الشعب الصحراوي وطأة العدوان وحده، فإنه يستحق الدعم الموحد من كل جيرانه لصد هذا التوسع حتى لا يصلهم. ويحظى هذا المشروع بدعم حتى من جانب أولئك الذين يعتقدون خطأً أنهم يشعرون بالحماية في ظل وضع استثنائي، محصنين ضد التوسع المغربي، والذين يعتمدون بشكل خطير على مفهوم الحكم الذاتي كحل. إن خلاص كل جيران المغرب سيكون جماعيا؛ وإلا فإننا جميعا سوف نستسلم واحدا تلو الآخر لمخالب توسعها، نيابة عن فرنسا و إسرائيل.
إن ترك الشعب الصحراوي لمصيره، بالإضافة إلى القبول الخطير بالاستيلاء على الأراضي بالقوة، من شأنه أن يفتح الأبواب على مصراعيها أمام منطقة ينتشر فيها التوسع العدواني المغربي و الإسرائيلي و الفرنسي، و تقوده تحالفات خارجية (الإمارات العربية المتحدة و إدارة ترامب) من أجل إخضاع كل شعوب المنطقة و فرض عليهم أمر واقع جديد. إن ردة فعل الشعب الصحراوي ستحدد بلا شك مستقبل المنطقة برمتها