حضارة الأشياء، في فكر مالك بن نبي

قدم المفكر الجزائري مالك بن نبي، المتوفى سنة 1973، في تحليله العميق لمعضلة التخلف في العالم الإسلامي، ثلاثية محورية لفهم قيام الحضارات وسقوطها تقوم على الأفكار، الأشخاص، والأشياء. ومن خلال هذا المنظور، يمكن قراءة الواقع الموريتاني اليوم، حيث تتجه الجهود الرسمية نحو تشييد المدارس والطرقات، وهذا امر جيد، في حين يغيب التركيز على الإنسان الذي يحمل الأفكار ويصنع الحضارة، وهذا خلل كبير. 

فمن الملاحظ، أن  موريتانيا، تصرف مبالغ طائلة على البنى التحتية، لكن هذه الاستثمارات كثيرًا ما يتبخر بعضها بسبب الفساد وسوء التسيير. كما أن  المدارس تُبنى، بدون زيادة طاقم التدريس،  فمن سيُدَرس فيها؟ الطرق تُشق، بتكلفة كبيرة. لكن من سيقود حركة التنمية؟  هنا يتجلى ما حذر منه ابن نبي: تقديم "الأشياء" على "الأشخاص" و"الأفكار".

و من هذا المنطلق فإن الأزمة الأعمق تكمن في نقص الكادر البشري عموما وقلة  المؤهل منه تأهيلا حقيقيا ، وضعف الرواتب التي يتقاضاها الموجود منه. فالمدرسون، والأطباء، والمهندسون لا يُمنحون القيمة المادية والمعنوية التي تجعلهم يستحضرون أنهم يحملون مشروعًا حضاريًا يجسد طموحات امة عظيمة.  وهكذا، تتكرر المأساة في كل أنحاء الوطن: مبانٍ بلا مضمون، وشوارع لا تؤدي إلى نهضة، ولا تمثل شيئا يوحي بوجود امة تسعى للافضل، فالمسميات التي تحملها المحلات غالبا تحيل الى الخارج، سواء من حيث القيم او الشخصيات.

وبالعودة لفلسفة ابن نبي، نجد انها، تدعونا إلى إعادة ترتيب الأولويات: الاستثمار في الإنسان أولًا، وفي الفكرة التي تزيد من وعيه بضرورة خدمة وطنه، و المساهمة الفعالة في تطوير مجتمعه ثانيًا، لتكون الأشياء في النهاية ثمرة طبيعية لهذا التفاعل. فبلا أشخاص مهيئين للنهوض بوطنهم، وأفكار ملهمة، تقضي على الافكار البائدة، من قبلية وجهوية وشرائحية، تبقى الطرق والمدارس مجرد هياكل مادية لا روح لها و لا تصنع حضارة، و لا تثير اهتمام احد.

 

   الباحث يحيى  احمدو

خميس, 05/06/2025 - 23:38