
يوم الاربعاء الرابع من شهر يونيو الجاري اختارت الولايات المتحدة الانحياز الى طبعها وتاريخها المظلم بالحرص على إشعال الحروب وسفك الدماء واثارة الفتن ونشر التوتر والفوضى وعدم الاستقرار في كل بقعة تطأها قدمها على سطح الارض وذلك عندما عمدت الى إستعمال حق النقض (الفيتو) لمنع مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة من تبنيمشروع قرار تقدمت به الجزائر يهدف الى ادخال مساعدات اغاثية لاهالي قطاع غزة المحاصرين منذ حوالي عقدين تقريباً والمجوعين والمعطشين حتى الموت عمداً من قبل العصابات الارهابية الصهيونية مع سبق الاصرار منذ حوالي 3 اشهر, على الرغم من ان جميع اعضاء المجلس الاخرين الاربعة عشر صوتوا لصالح القرار, كما كان يدعومشروع القرار الجزائري الذي وأدته الولايات المتحدة الى وقف الهولكوست وجرائم الحرب والابادة الجماعية التي ترتكبها العصابات الارهابية الصهيونية بحق الابرياء من الاطفال والنساء والجوعى والمرضى في قطاع غزة كما اقرت بذلك شخصيات صهيونية كبيرة بوزن رئيس وزراء (ايهود اولمرت وايهود باراك) ووزراء وبرلمانيين واعلاميين وحتى عسكريين كبار (اللواء يائير غولان نائب رئيس الاركان سابقاً وحالياً نائب في الكنيست ورئيساً لحزب العمل ورئيساً لتحالف الديمقراطيين) وكذلك العديد من الشخصيات الامريكية السياسية والاعلامية البارزة واخرهم ماثيو ميلر الذي كان قبل عدة اشهر فقط ناطقاً رسمياً باسم وزارة الخارجية الامريكية في عهد الرئيس السابق جو بايدن, ناهيك عن القرارات ذات الصلة الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وهيئات الامم المختلفة العاملة في فلسطين.
الادهى والامر ان الولايات المتحدة فرضت عقوبات على قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية على خلفية طلب اصدار المحكمة لمذكرات لاعتقال المجرم نتنياهو رئيس وزراء الكيان الارهابي وعدد من المجرمين الصهاينة وعلى رأسهم وزير حربه المجرم لارتكابهم جرائم حرب بالجملة بحق الابرياء المدنيين في قطاع غزة, وذلك في محاولة خسيسة من الولايات المتحدة لتقويض استقلالية مؤسسة دولية قضائية تعمل بتفويض 125 دولة حول العالم, وهذا السلوك الوضيع والمستهجن للولايات المتحدة الى جانب استمرار تزويدها الكيان المجرم بكل انواع الاسلحة بما فيها قنابل خارقة للتحصينات زنة 2000 رطل وطائرات اف 35 وغيرها انما يبرهن بالدليل القاطع ان امريكا لا تشجع او تبارك ابادة اهالي قطاع غزة فقط بل تشارك فعلياً في ذلك.
الحراك السياسي والشعبي في بعض الدول الاوروبية في الاسبوعين الماضيين بما في ذلك التلويح بفرض عقوبات تجارية واقتصادية وسياسية على الكيان الغاصب والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967 وفقاً لقرارات الامم المتحدة انما يشير بوضوح الى ان الاوروبيين اكبر الداعمين تاريخياً للكيان المحتل بدأوا يضيقون ذرعاً بجرائمه ويتنصلون من اي علاقة قد تربطهم بها.
وابعد من ذلك بعض الاوروبيين وصف الكيان "بدولة ابادة" وهذا الوصف القوي انما يشير الى ان هؤلاء الاوروبيين بدأوا يدركوا ان الصهاينة هم أعداء الحياة، وقد ارتكبوا مجازر وجرائم حرب وابادة بحق اثنين مليون وثلاثمائة الف نسمة هم اهل قطاع غزة مما اسفر عن استشهاد وجرح اكثر من ١٠٪ منهم وتدمير اكثر من ٩٠٪ من منازلهم وممتلكاتهم ومرافق حياتهم. كما ادرك القادة الاوروبيون ان المجرمين الصهاينة حولوا قطاع غزة إلى مقبرة بعدما كانوا قد حولوه الى سجن كبير طيلة العشرين سنة الماضية، يعني من سجن لمقبرة.
كذلك اصبح الاوروبيون يدركون ان الحجة الصهيونية باتخاذ ما جرى في السابع من اكتوبر 2023 كمبرر لابادة عشرات الالاف من اطفال ونساء قطاع غزة كانت مجرد ابتزاز عاطفي وسياسي رخيص نجح في جرهم في الاشهر الاولى للحرب الصهيونية على قطاع غزة لتلطيخهم بوحل الجرائم التي ارتبكها هؤلاء الصهاينة.
الرواية الصهيونية اللاأخلاقية والخبيثة التي زعمت كذباً أن ١٢٠٠ قتلوا من الصهاينة على يد الفلسطينيين من بينهم نساء واطفال, كما زعموا زوراً وبهتاناً وقوع تجاوزات "غير انسانية وغير اخلاقية" بحق هؤلاء النساء والاطفال على الرغم من انهم يدركون ان قاموا بعملية 7 اكتوبر هم من نخبة النخبة وهؤلاء حسب المعروف عنهم انهم من حفظة كتاب الله كاملاً مع ما يقتضيه ذلك من وازع ديني و خلق رفيع وسمعة حسنة مما يرجح ترفعهم عن مثل هذه الادعاءات والافتراءات, وهذا بالضبط ما اثبتته الايام فيما بعد عندما تراجع الصهاينة عن هذه المزاعم ولكن بعد فوات الاوان.
نعم, الحقيقة التي ادركها العالم وخصوصاً الاوروبيون ان الجيش الصهيوني المجرم هو من قتل معظم الضحايا المشار اليهم بحسب اعتراف العديد من ضباط وجنود جيشهم "الذي يشن حرباً على المدنيين وهوايته قتل الأطفال وهدفه ترحيل اهل قطاع غزة وارتكاب جرائم حرب بحقهم" كما قال أحد كبار ضباط هذا الجيش الارهابي وأحد أهم واشهر ساستهم ومنهم رؤساء وزراء سابقين ووزراء ورؤساء احزاب وبرلمانيين كما سبقت الاشارة...!!, وكذلك ثبت زيف ادعاءاتهم وافتراءاتهم حول التجاوزات الاخلاقية والانسانية, حتى البيت الابيض المنحاز كلياً اليهمتراجع عن تلك الادعاءات في حينه.
يبدو ان الاوروبيين بدأوا في اكتشاف حقيقة هذا العصابات الصهيونية الاجرامية التي نجحت في ابتزازهم وخداعهم طيلة حوالي 8 عقود بتقمص دور الضعيف التي كان ضحية للنازيين الالمان في الحرب العالمية الثانية ولا حول لهم ولا قوة وانهم سينتهوا بدون الدعم والمساندة الغربية.
ويبدو ان الاوروبيين كذلك بدأوا في الادراك ان من اقدم على اغتصاب وسرقة ونهب بلداً كاملاً بأرضه وسمائه وهوائه ومائه ويفتك بأهله قتلاً وتنكيلاً ودماراً وحصاراً وتجويعاً بالاسلحة الغربية لن يصعب عليه ان يفتري وكذب ويزيف الحقائق لخداعهم.
بدأ العالم يخشى من هذا الاجرام الصهيوني الغير مسبوق, سيكون من السهل على من يرتكب هذا النوع من الاجرام على بشر من دم ولحم في قطاع غزة الأقدام على قتل غيرهم بغية في اي مكان اخر بغية ابتزاز المجتمع الدولي واخضاعه لمخططاته, وفي سياق غير بعيد كتبت الكاتبة السويدية "لوان صاندمان" التي ايدت في البداية العدوان الاحتلال على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023: "إسرائيل خسرت، بالمناسبة أنا صرت أؤمن بأن دولة إسرائيل الإرهابية يجب أن يتم تدميرها"....!!!!!.
نعم, هناك تياراً بدأ يتولد في العالم وخصوصاً في الغرب ان الكيان الصهيوني باتت وحشاً مرعباً نتيجة لتزويدهم له بكميات ونوعيات اسلحة تزيد كثيراً عن حاجته الفعلية والسماح له بتطوير اسلحة نوعية لا تسمح لغيره بتطويرها او امتلاكها، هذا الكيان كما اصبح يراه الغرب والعالم عموماً بات مبعث خوف وقلق, فقد برهن انه خطير جداً على البشرية منغير اليهود، وصار العالم يدرك انه من الضروري جدا لسلامة البشرية التعامل مع الكيان وفقاً لذلك وان من مصلحة السلم والامن الدوليينضرورة ترشيد او تقييد استعمال القدرات العسكرية المرعبة لهذا الكيان المنفلت والفائضة بكثير عن حاجته.
هذا ولعل اهم ما نتج عن جرائم الكيان الصهيوني رغم بشاعتها وبربريتها هذا التحول الملفت في المزاج الغربي تجاه الكيان الصهيوني وانحدار مستوى التعاطف معه لدرجة غير مسبوقة جماهيرياً وحتى رسمياً, والملفت اكثر تراجع سطوته على المجتمعات الغربية بتهديدها بمعاداة السامية, المصطلح المبهم الذي استهلك وبهت ولم يعد له تلكالهيبة والقدرة الرادعة التي كان يخشاها كل من يعيش في دول الغرببعدما استهلكه القادة الصهاينة كثيراً بمناسبة وبدون مناسبة ضد كل من ينتقد سياساتهم وجرائمهم, وصولاً الى ان تجرأوا واطلقوه على رؤساء دول وحكومات في دول غربية كبرى دعمت كيانهم ولعبت دوراً حيوياً في وجوده على مدار ثمانية عقود لمجرد انهم قالوا ان ما يحصلفي قطاع غزة لا يطاق ولا بد ان يقف, مما حدا بالمفوضية الاوروبية الى الرد رسمياً على الاتهامات الإسرائيلية بأنه "لا مكان لمعاداة السامية في أوروبا".
اخر الكلام:
مبعوث الرئيس الفرنسي الخاص جان ايف لودريان صرح في السادس من الشهر الجاري في بيروت رداً على هجوم مسؤولين صهاينة على الرئيس ايمانويل ماكرون ومسؤولين اخرين كونهم يطالبون بالسماح بادخال المساعدات لاهل قطاع غزة واتهام هؤلاء الصهاينة لهم بأنهم"متواطؤون مع حماس", وانه "معادون للسامية" و "ان الرئيس ماكرون يقود حرباً صليبية على اليهود" كونه يفكر في اعتراف بلاده بدولة فلسطينية, صرح لودريان رداً على هذه الاتهامات قائلاً ان الكيان الصهيوني "يعيش انهياراً اخلاقياً وان سياسات نتنياهو ستحولها لدولة منبوذة دولياً", وشدد لودريان في تصريحه :"ان على الشعب الصهيوني التدخل لوقف هذا الانحراف الخطير في سياسة نتنياهو الذي يقود الكيان الى وضع كارثي", من جهته ايهود اولمرت رئيس الوزراء الصهيوني الاسبق تماهى مع تصريحات لودريان قائلاً :" عصابة من الارهابيين (في اشارة الى حكومة نتنياهو) تملي دروس في الأخلاق لدول بحجم فرنسا"...!!
د. سمير الددا