تراجع الخطاب السياسي في موريتانيا: حالة النائبتين

يُعتبر الخطاب السياسي ركيزة أساسية للحياة الديمقراطية في أي دولة، فهو يعكس رؤى الأفراد والجماعات، ويعبر عن تطلعات المجتمع وآماله في التقدم. تعكس جودة هذا الخطاب مدى الوعي والرقي الفكري لدى القيادات السياسية، ولكن في الآونة الأخيرة، لوحظ تدنٍ ملحوظ في مستوى الخطاب السياسي في موريتانيا. فقد وصل الأمر إلى حد تجاوز الخطوط الحمر من قبل بعض النواب، المحسوبين على حركة "إيرا" ومن بينهم النائبة قامو عاشور والنائبة مريم الشيخ جينگ، كما يُظهر ذلك تراجع النضج السياسي وفقدان المساءلة.

 

تدني الخطاب السياسي

 

تشير الأحداث الأخيرة إلى وجود تراجع كبير في مستوى الخطاب السياسي من قبل العديد من النواب، الذين يفترض بهم أن يكونوا قدوة في تقديم النقاشات البناءة والمبادرات الإيجابية. يتبدى ذلك في استخدام لغة هجومية وغير مقبولة، تُظهر افتقاراً للوعي بالدور الكبير الذي يلعبه السياسيون في تشكيل القيم والأخلاق في المجتمع. إن الخطاب المبني على الاتهامات الشخصية والتشويه والأوصاف الغير لائقة  لا يعكس فقط ضعف الحجة، بل يعزز من عدم الثقة بين النواب والمواطنين، مما يزيد من الفجوة بين الشعب وصناع القرار.

 

 التطاول على الرموز الوطنية

 

الرموز الوطنية، بما في ذلك، شخص رئيس الجمهورية و الشخصيات التاريخية والقيم الثقافية، تشكل جزءًا محوريًا من هوية الشعب ووجدانه. غير أن النائبتين قامو عاشور ومريم الشيخ جينگ تجاوزتا هذه الحدود، وقامتا بتوجيه اتهامات واضحة وتقليلات غير مقبولة ضد الرموز الوطنية. هذه التصرفات لا تؤدي فقط إلى تقويض مكانة هذه الرموز، بل تفتح أيضًا بابًا للمسؤولية على السياسيين الذين يستخدمون منابرهم لضرب أسس الهوية الجماعية في البلاد. تستخدم هذه النائبات منصاتهن السياسية للهجوم بدلاً من التعبير عن الحوارات المؤدية إلى الإصلاح والتغيير، مما يساهم في تفكيك الروابط الاجتماعية والثقافية التي تشكل لبنة المجتمع.

 

 سب الأفراد والمجتمعات

 

تعتبر الإهانات الموجهة نحو الأفراد والمجتمعات جزءًا آخر من الخطاب السياسي المعيب الذي يعد ضررًا فادحًا. يُظهر هذا النوع من الأسلوب الإقصائي الرغبة في استهداف الخصوم السياسيين بأساليب عدائية، مما يؤدي إلى خلق أجواء من التوتر والصراع الاجتماعي. لا يساهم هذا النوع من النقاشات إلا في تعميق الفجوات بين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية في المجتمع، حيث يصبح النقد البناء مستحيلًا بصراع مستمر من الإهانات والانتقادات غير المبررة.

 

 تأثيرات طويلة الأمد على المجتمع

 

تتجاوز آثار هذا التراجع إلى ما هو أبعد من النقاش السياسي الفوري. فعندما يتحول الخطاب السياسي إلى سلاح يستخدم لتفكيك الروابط الاجتماعية، تتأثر أجيال من المواطنين بآثار عقلية ونفسية تؤثر على انتمائهم وولائهم للمجتمع. وينجم عن ذلك عدم الثقة في المؤسسات السياسية، مما يؤدي إلى تفشي المشاعر السلبية بين المواطنين، وهو ما قد يهدد استقرار المجتمع ككل.

 

في ضوء هذه المستجدات، يتضح أن هناك حاجة ملحة لتجديد الخطاب السياسي في موريتانيا، كي يعود ليعبر عن القيم الوطنية ويحفز على الحوار البنّاء. يجب أن تُتخذ إجراءات لضمان أن يكون السياسيون نموذجًا يحتذى به في الاحترام والكرامة، والعمل على خلق بيئة سياسية تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وتطوير البلاد. فعندما يتدنى الخطاب، يتعرض الاستقرار الاجتماعي والسياسي للخطر، وهو ما يجب أن يكون نداءً للجميع للعودة إلى أسس الخطاب الصحيح والمفيد.

 

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تنطلق دعوات قوية للمجتمع المدني والمواطنين للمساهمة في تعزيز الخطاب الإيجابي والمساهمة في ديمقراطية فعلية تتطلب من الجميع، لا سيما القادة، الالتزام بقيم الاحترام والكرامة. إن الخطاب المسؤول هو الأساس الذي يمكن من خلاله تحقيق التنمية المستدامة والتماسك الاجتماعي، مما يسهم في بناء مستقبل أفضل لموريتانيا.

سيدنا السبتي

 

ثلاثاء, 29/04/2025 - 10:02