الهجرة والاسترقاق في موريتانيا: دراسة حالة

“في موريتانيا المعاصرة، حيث يظل التمييز بين “العبودية” و”ما بعد العبودية” صعبًا، يشكل تحليل الحالات الأربع فرصة لفهم النقاشات الإنسانية والقانونية والسياسية الحساسة التي تثير جدلاً بين النفي الرسمي واستمرار التأكيد الحقوقي.“

 

خلاصة

تتناول الدراسة قصص استعباد وتحرر أربع نساء حرطانيات في موريتانيا باستخدام منهج إثنوغرافي. تسلط الضوء على الديناميكيات المعقدة المرتبطة بالعبودية التقليدية، وتأثيرها على قضايا النوع الاجتماعي، والهجرة، والعلاقات الاجتماعية. تستكشف الدراسة التجارب الشخصية لهؤلاء النساء ضمن السياق التاريخي والاجتماعي الموريتاني، مع التركيز على النقاشات حول استمرار تأثير العبودية في المجتمع الحديث. تركز الدراسة على دور الهجرة، سواء القسرية أو الطوعية، في تشكيل مسارات التحرر واستعادة الكرامة الإنسانية، إلى جانب تأثير هذه التجارب على علاقات النساء بأسرهن ومجتمعاتهن. كما تحلل المعايير العاطفية والاجتماعية المرتبطة بفترة الاستعباد، وتناقش كيفية تحول هذه العلاقات بعد التحرر والانتقال إلى بيئات حضرية. تهدف الدراسة إلى تقديم رؤية شاملة حول التداخل بين الاستعباد والهجرة والتجارب العاطفية، مع إبراز التحديات والإنجازات التي واجهتها النساء في سعيهن نحو الحرية وتحقيق الذات.

 

السياق 
في موريتانيا، يبقى موضوع استمرار العبودية موضوع جدل دائم بين من ينفي وجودها ومن يؤكد استمراريتها. على الرغم من القرارات الحكومية التي ألغت العبودية في فترات مختلفة (1981، 2007، و2017)، لا يزال النقاش حول استمرارها مستمرًا. في نوفمبر 2021، أدى اعتقال شيخنا ولد الشهلاوي وابنته سلم بتهم استعباد مريم منت الشيباني، وابنتيها شيخنا والسالكة إلى جدل واسع، بعد أن تم منحهم حرية مؤقتة من قبل القضاء، مما أثار احتجاجات حقوقية شعبية. مما أدى لتدخل وزير العدل مؤكدًا أن هذه القضية ستعالج حسب القوانين التي تجرم الرق. وفي مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، اتبعت الحكومات الموريتانية المتعاقبة سياسة غامضة متمثلة في الإنكار الجزئي والاعتراف بالمخلفات الاقتصادية والاجتماعية للعبودية وتشكيل هيئات حكومية مختلفة لمعالجة هذه المخلفات لكن دون معالجة جوهر المشكلة. النقاش بين المنكرين والمطالبين بالاعتراف باستمرار الرق يستمر حتى اليوم

 

الموقف الرسمي: الإنكار والمخلفات

في تعاملها مع معضل الرق اتبعت الحكومات الموريتانية المتعاقبة وهيئاتها الحقوقية سياسة نفي وجود الرق والتأكيد على أن العبودية قد تم إلغاؤها في موريتانيا، ويعتبرون ما تبقى من آثارها مثل الفقر والأمية والتهميش، مشكلات “مخلفات” فقط دون ربطها باستمرار العبودية نفسها. تنفيذيا قامت الحكومات الموريتانية المتعاقبة وتماشيا مع هذا التوجه بإنشاء هيئات ووكالات رسمية للقضاء على هذه “المخلفات” فكانت البداية باللجنة الوطنية للقضاء على تبعات العبودية في موريتانيا (CNESEM) في عام 1995.حالياً، تجسد الدولة هذه المقاربة في هيئة تسمى المندوبية العامة للتضامن ومكافحة الإقصاء (تآزر). تأسست في نوفمبر 2019 وحلت محل وكالة أخرى كانت تسمى الوكالة الوطنية لمحاربة مخلفات العبودية والدمج ومكافحة الفقر “تضامن” التي تم إنشاؤها في عام 2013. تشير هذه السياسات إلى أن الحكومة تروج لحلول اقتصادية وتنموية بدلاً من معالجة العبودية كقضية تاريخية وقانونية. عكست تسميات وإعادة تسميات هذه الهيآت أجندات سياسية واقتصادية لأنظمة وحكومات مختلفة. وفقًا لبعض النشطاء الحراطين، يعتبر التغيير الأخير في اسم هذه الوكالة دليلا على سياسة جديدة للحكومات الموريتانية، حتى ضمن مقاربة “المخلفات”، وهي إبعاد إسم الوكالات عن أي ارتباط “فأوي” أو “عرقي” خاصة بالحراطين.

 

المناهضة الرسمية: حالة 2021 وأدوات الإنكار

حالة شيخنا ولد الشهلاوي في 2021 كانت نموذجًا آخر للصراع الخطابي حول استمرار العبودية. حيث أظهر تفاعل الحكومة مع القضية مزيجًا من الإنكار وإعطاء الأولوية “للمخلفات” بدلاً من الاعتراف بوجود الرق المستمر. في هذا السياق، يظل الموضوع محاطًا بجدل سياسي وحقوقي مستمر، حيث ترفض الدولة من جهة الاعتراف بالممارسة نفسها، بينما تسعى من جهة أخرى لتنفيذ سياسات اقتصادية لمعالجة آثار الرق. وفي سعيها لتسويق موقفها المنكر للممارسات الاسترقاقية خارجيا، قامت الحكومات الموريتانية المتعاقبة بتعيين العديد من المسؤولين المنحدرين من مجتمع الحراطين في وظائف سامية تتعلق خصوصا بالعبودية وقضايا حقوق الإنسان داخل البلاد وخارجها، على الرغم من التمثيل الضئيل لمكون السود في موريتانا وخصوصا الحراطين والأفارقة الموريتانيين، في السلك الدبلوماسي الوطني مثلا. بهذا الخصوص، قامت الحكومات الموريتانية المتعاقبة بتعيين العديد من المسؤولين المنحدرين من هاذين المكونين كسفراء في البعثة الدائمة للبلاد في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، حيث يقع مقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

 

الحالات الأربع للدراسة

 

التحليل يستند إلى أربع حالات من ضحايا الرق تتوزع بين فترات زمنية ومناطق جغرافية مختلفة في موريتانيا. تتضمن هذه الحالات تجارب نساء حرطانيات تعرضن للاستعباد، مع التركيز على تجاربهن بعد تحررهن. أول الحالات تعود لسنة 1996، عيشانة منت اعبيد (1960) تزامنت هذه الحالة مع ترخيص منظمة نجدة العبيد كأول منظمة حقوقية وتعود لفترة حكم ولد الطايع. ثاني حالة تعود لسنة 2007، هابي منت رباح (1974) وتعود لفترة حكم سيدي ولد الشيخ عبد الله وقد تكفلت بحالتها اللجنة الوطنية لحقوق الانسان الرسمية. تعود الحالتان لجنوب البلاد في منطقة اترارزة. ثالث حالة أم الخير منت يرب (1961)، وتعود لنفس الفترة 2007 ونفس الجهد الرسمي وتشكل احدى أبشع حالات الاستعباد وأكثرها درامية وكانت في منطقة ادرار شمال البلاد. الحالة الأخيرة كانت في 2013، اشويده منت امبيريك (1963) وقد اكتشفت في اقصى شمال البلاد على الحدود مع الصحراء الغربية، في منطقة تيرس.  تعد هذه الحالات نموذجًا لمتابعة تطور الوعي الاجتماعي والسياسي حول الرق في موريتانيا على مدار عقدين من الزمن، مما يقدم إطارا زمنيا كافيا لمعرفة التحولات والنقاشات الحقوقية والسياسية المرتبطة بالرق في المجتمع الموريتاني.

 

ناقشت الدراسة الحالات الأربعة ضمن خمسة أقسام تحليلية:

 

أولًا: في الحركة بركة

ناقش هذا الجزء قرارات الحركة/الهجرة التي اتخذتها، أو اتخذت نيابةً عنهن، هؤلاء الضحايا الأربع بالهجرة لأوساط حضرية بحثًا عن الحرية. كيف أثر هذا القرار على مصيرهن كفاعلات اجتماعيات جديدات يواجهن تقاطعات تهميش مركبة ومتعددة استنادًا لوضعهن الاجتماعي كمستعبدات، ونوعهن كنساء، وأخيرًا خلفيتهن العرقية/الإثنية كحرطانيات.

 

ثانيًا: بشر أخيرًا
ناقش هذا القسم التحول الوجودي في حياة هؤلاء النسوة وعائلاتهن بعد استرجاع حريتهن وكرامتهن المسلوبتين. يتناول هذا القسم دور هذه التحولات في كيفية إعادة بناء هوياتهن الشخصية وفاعليتهن الاجتماعية الجديدة كنساء حرات وأمهات وربات منازل “مدنيات” ينتمين ويعشن في “مدينة” بالمعنى الحرفي والمجازي.

 

ثالثًا: مشاعر على الأقل
ناقش هذا القسم الرحلة العاطفية لهؤلاء النساء ضمن نفس السياقات الاجتماعية والجنسية والعرقية السابقة. كما يناقش المعايير والسياسات العاطفية لمجتمع الأسياد “البيظان” والترتيب الهرمي فيما يخص العواطف والقيم والفروق التي يفرضها/يفترضها بين العبيد والأسياد.

 

رابعًا: الزواج وتكوين أسرة
ناقش هذا القسم الحركية الاجتماعية والعاطفية الخاصة في الحياة الشخصية والاجتماعية لهؤلاء النساء بعد تحررهن. يتطرق لاستكشاف تجاربهن في تكوين أسرة حرة من اختيارهن لأول مرة، ما يترتب على ذلك من جوانب عملية وعاطفية جديدة في حياتهن.

خامسًا: تصفية مشاعر المستعبدين

ناقش هذا القسم تبعات النقاشات المتعلقة بالعبودية في موريتانيا، حيث يتم تأطير الحديث عن الرق والمشاعر السلبية المتعلقة به بإطار القوانين الفكرية الليبرالية المتعلقة “بخطابات الكراهية” و”حماية” السلم الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، يناقش هذا القسم العواطف السلبية لهؤلاء النسوة المتعلقة بمشاعر الصفح والنسيان.

الدكتور الحاج ولد إبراهيم: باحث في برنامج ما بعد الدكتوراه في مؤسسة دار علوم الإنسان في باريس.

 

ملخص ورقة عن الهجرة و”الإسترقاق” “ومابعد الإسترقاق” في إفريقيا: معضل الرق من منظور حقوقي نسوي في موريتانيا

المنشورة في عدد خاص من مجلة: Journal of Migration History

لقرءاة المقالة كاملة 

https://2u.pw/8YKZn8qf

النسخة العربية:

https://2u.pw/jfVe24un

mauritania by Reports

اثنين, 23/12/2024 - 14:42