توطئة:
تطرح هذه الأيام و في تزامن مع التشاور الذي انطلقت بوادره الأولى في نقاشات جدية و مهمة حول بعض القضايا الوطنية الملحة و التي مكثت كثيرا دون حل و دون معالجة جذرية نتيجة التجاذبات السياسية و الإيديولوجية و نتيجة بحث كل طرف عن تسجيل نقاط على حساب خصومه ، ما جعل المصلحة الوطنية تتأخر على حساب المصالح الضيقة و الآنية لبعض الأطراف ، و ما نتج عنه أن دخلت هذه القضايا متاهات السياسة و التسييس و خرج طرحها عن إطاره الطبيعي و المنهجي ، و من ضمن هذه القضايا مسألة اللغة ، و دورها في التعبير عن الهوية ، و علاقتها باللغات الوطنية ، و الدور الذي يجب أن تلعبه في التدريس و في إصلاح التعليم ..
في بداية حديثنا نود أن نشير إلى بعض المتغيرات في المواقف التي دفعت الكثير من الأطراف إلى التخندق خلف مواقف معينة ، ساهمت فيما مضى في الحدية في المواقف و المنطلقات و في الكثير من الشحن من ضمنها:
1/ تحقيق الهوية لا يكون فقط باللغة رغم لعبها دورا أساسيا فيه إلا أنه يشمل محددات أخرى منها الثقافي و التراثي و العرقي و الديني ، و لم تعد الهوية تطرح كآلية لتوحيد الشعوب و سبرها في قوالب موحدة ، بل أصبح المفكرون و الانطربولوجيون يركزون على الاختلاف الهوياتي كعامل غنى و ثراء يدعم الهوية المشتركة و يثريها أكثر.
2/ لا يمكن فرضنا
المواقف على الشركاء في الوطن بل يجب أن يسعى الجميع إلى التوافق و الإجماع ، فكل طرف عليه أن يخلص النية في طرحة و عليه أن يبحث أكثر عن ما يجمع و ليس ما يفرق لأننا في الأخير أبناء وطن واحد و ليس لنا سوى التعايش فيه و التفاقعلى رسم مستقبل موحد لنا و لأبنائنا فيه. الكل مطالب بأن يتنازل عن ما يطالب به ثمنا للوفاق و الاتفاق.
3/ لن يفيدنا اجترار التاريخ و الوقوف عند محطاته السوداء و التي طالت الجميع و شارك فيها الجميع ، و لن تجدي محاولة إلصاق تهمة بهذا الطرف أو ذاك و لا تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك ، فعندما نجلس لرسم مستقبل لوطننا علينا أن نحاول تفادي أن نقع في الأخطاء التي وقعت ، لكن نكأ الجراح سوف لن يقدم الحوار و لن يساعد في رسم الطريق الصحيح.
- بعض الأفكار المساعدة في الإصلاح:
نتفق جميعا على فساد التعليم و فشل مختلف الخطط التي وضعت له ، و أنه وصل درجة لم يعد السكوت عنها ممكنا ، و قد أشارت الجهات الرسمية إلى هذا قبل المراقبين و المهتمين ، لذلك فخطة الإصلاح المرتقبة يجب أن تشمل حل مشكلة اللغة و لكن كذلك المساهمة في وضع خطة لإصلاح التعليم ، و قد قرأت الكثير من المقالات و التدويناتالتي كتبت حول الموضوع و التي تحمل في جلها اقتراحات عملية و رؤى تحليلية وازنة و واقعية بعيدة عن التشنجات و الشحن القومي و العنصري الذي تحلى به البعض ، عناك خطوات يمكن تطبيقها ستساعد كثيرا في إصلاح التعليم و لكن كذلك في بناء الثقة بين المكونات و ردم الهوة السحيقة بينهم و تقوية اللحمة الوطنية :
- فترة الحضانة : و هي المرتكز الذي يجب أن تقوم عليه العملية التعليمية و التربوية ، و لذلك نقترح تعميم حضانات تابعة للدولة تعمل على تعليم الأطفال سنتين يتم تدريسهم فيها اللغة العربية و اللغات الوطنية فقط ، كما يتم غرس حب الوطن فيهم و بعض الأخلاق التي يحتاجونها من تعليهم قيم المساواة و الأخوة و حب الوطن إضافة إلى تعليهم ثقافة إخوانهم في الوطن و في الدين. هذه الحضانات ستكون قرابة 5000 حاضنة سيتم اكتتاب و تدريب 20 ألف مدرسة لها ، جلهم سيكون من الناطقات باللغات الوطنية هؤلاء النسوة سيسكنون في بوادي و أحياء بعيدة في الداخل كما سيتم إرسال ناطقات بالعربية أو الحسانية إلى قرى في الصفة ما سينشأ عنه اختلاط و تبادل للثقافات سيمكن من تقوية اللحمة الوطنية و يقوي من الأواصر التي تجمع المكونات.
- مرحلة الابتدائية الأولى: و هي السنوات الأولى الثلاث من التعليم الابتدائي و يتم التركيز فيها على تعليم اللغة العربية للجميع و يتم التركيز على أوليات اللغة من كتابة و قراءة و خطاب أساسا مع متابعة تدريس اللغات الوطنية.
- المرحلة الابتدائية الثانية و هي من سنتين الخامسة و السادسة و يتم البدء فيها بتعليم اللغة الفرنسية لتلاميذ صاروا يعرفون العربية و اللغات الوطنية أو بعضها لأن هناك اقتراح بأن يختار التلميذ واحدة من اللغات ، لكن يجب أن يحافظ على تدريس الطلاب باللغة العربية و بالاهتمام باللغات الوطنية و كذلك بالفرنسية التي تعد لغة انفتاح و لعة لها مكانة خاصة نتيجة وجود أعداد كبيرة من الأطر الذين يشتغلون بها من جميع المكونات.
- المراحل العليا: من المهم عودة المرحلة الثانوية لست سنوات بدل سبع فتلك السنة الزائدة لم تقدم شيئا يذكر سوى تفويت سنة على الطلاب خصوصا منهم من سيلتحق بجامعات أجنية سيحضر لها سنة أو سنتين، فتتم متابعة التعليم بالعربية و خصوصا تعليم المواد العلمية ( فرس الرهان ) و لكن بطرق حديثة جيدة كما تمكن الاستفادة من التجارب في مصر و سوريا فعندما يكون تعليم هذه المواد نوعيا و جيدا لن يقف تعلمها حجر عثرة أمام المختصين فيها و التعامل مع اللغات الأخرى ( و تجربة اللاجئين من سوريا في ألمانيا و فرنسا و انجلترا خير دليل على ذلك فقد كفتهم سنة واحدة أو سنتان من تعلم اللغة للالتحاق بميادين عملهم ) كما يتم تطوير اللغات الوطنية و تطوير البحوث في التاريخ و التراث في هذه اللغات مع إقامة مراكز أبحاث لها و لمختلف قواعدها حتى تحمل الهوية و التاريخ الذي تعبر عنه و تربطه بالتاريخ الوطني و الهوية الموحدة للبلد.
- *** يتم إنشاء مادة تسمى التفاهم الوطني تدرس فيها اللغات الوطنية و العربية و كذلك مختلف العادات و التقاليد و الشعر و التاريخ لجميع المكونات الاجتماعية و تكون مادة أساسية و ذات ضارب كبير حتى لا يتم تعويضها بالتركيز على مواد أخرى ، فالمواد العلمية تنفع في الدراسة و الثقافة و هذه المادة تنفع في التعايش المشترك.
- في التوظيف : يتم التركيز في الدراسة خصوصا في الجامعات و المعاهد الفنية على مواد تنفع في ميدان الاختصاص و تحسن الخبرات ، و بعد التوظيف و كبرهان على تعريب الدولة و رسمية اللغة يتم فرض أن تكون جميع المراسلات في الإدارات عامة باللغة العربية الفصحى ، أما التقارير الفنية فيمكن أن تكون باللغة الفرنسية أو الانجليزية.
خلاصة :
لو وجدت هذه الاقتراحات أذنا صاغية فهي تحتاج الكثير من التحضير و يجب أن يصاحبها تحسين ظروف المدرسين و إقامة المنشآت الضرورية و التي تعهدت الدولة بها سابقا من بناء مدارس و معاهد و جامعات جديدة و كذلك من اهتمام بإطلاق المدرسة الجمهورية التي سيدرس فيها التلاميذ جميعا جبنا إلى جنب بزي واحد و بكفالات مدرسية واحدة و بمعلم يعيش ظروفا حسنة و بأدوات جيدة ، كل ذلك سيساعد في انطلاق عملية تربوية تعليمية تزيل الفوارق و تعيد اللحمة و تعبر عن المساواة بين الجميع ، ذلك وحده هو الضامن لاختفاء الاحتقان و الحساسيات و الشحن المكوناتي السلبي بين الجميع.هذه مشاركة بسيطة في النقاش الدائر حول مسألة اللغة و سبل إصلاح التعليم ، و هي تجد فرصة مهمة في هذا التشاور الذي سيطرح القضايا المهمة و الذي يشهد إجماعا وازنا و يستعد فيه الجميع بروح وطنية و استعداد كبير لحلة القاضايا المطروحة أو حلها إن أمكن.