
تتأرجح الجمهورية الإسلامية الموريتانية منذ نشأتها بين الحكم المدني والعسكري. فقد عاشت أولاً 18 سنة من الحكم المدني تحت الحزب الواحد، ثم استولى العسكريون على السلطة بنيّة إعادتها إلى المدنيين. لكن الظروف المواتية لنقل السلطة إلى المدنيين لا تتوفر دائمًا في الوقت المناسب:
• في 16 مارس 1981، سلّم السيدهيدالة السلطة للحكومة المدنية بقيادة المغفور له بنيجارة، لكن بعد انقلاب عسكري عادت السلطة إلى أيدي العسكريين.
• في عام 1992، وعلى الرغم من خلفيته العسكرية، أسس السيد معاوية ولد الطايع نظامًا مدنيًا ديمقراطيًا استمر حتى عام 2005. ولكن بما أن هذا الحكم بدا وكأنه سيستمر إلى ما لا نهاية ولم يوفر آفاقًا للتناوب، انتهت الأمور بانقلاب أطاح به (ربما بمباركة من مدنيين).
• في عام 2007، تم تسليم السلطة إلى السيد سيدي ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني يُنتخب ديمقراطيًا، مع تشكيل حكومة وانتخاب برلمان. لكن تمرّدًا برلمانيًا وإقالة بعض الجنرالات أطاح بهذا الحكم المدني.
• في عام 2009، ترك الرئيس الحالي حينها السيد محمد ولد عبد العزيز الجيش وترشح وفاز بولايتين مدنيتين متتاليتين. ويمكن القول إن عقده الرئاسي لم يكن الأسوأ في تاريخ الجمهورية الذي يمتد لستة عقود.
من المحتمل أن يكون صيف 2019 لحظة الحسم لمعرفة ما إذا كانت موريتانيا ستُقاد من طرف مدني أم عسكري، مع العلم أن العسكري السابق يُعتبر مدنيًا. والسؤال الذي سيطرحه الناخب هو: مدني أم عسكري؟ من نختار لموريتانيا الغد؟ ولتوضيح الصورة، نطرح ثلاث أسئلة "مع" وثلاث أسئلة "ضد":
أسئلة "مع":
• أليست المؤسسة العسكرية الوحيدة القادرة على ضمان أمن واستقرار الدولة؟
• ألم تقم الجيوش بحكم دول وأوصلتها إلى الازدهار منذ تأسيسها وحتى اليوم؟
• أليس الحكم العسكري، وإن كان استبداديًا، أفضل من ثورة فوضوية؟
أسئلة "ضد":
• أليس الحفاظ على جيش قوي ومنظم رغبة استعمارية تهدف إلى الحفاظ على مصالحهم عبر وكلاء؟
• لماذا يجب علينا دائمًا أن نناضل فقط لاستبدال حذاء عسكري بآخر؟
• لماذا تقدم المؤسسة العسكرية نفسها كحاجز مثالي ضد رياح "الربيع العربي"؟
من خلال الأسئلة الست السابقة، يتضح أن أنصار كلا الرأيين يتفقون على نقطة واحدة ويختلفون في الباقي. الجميع يقرّ بأن الجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة على ضمان الأمن الداخلي والخارجي للدولة، وهذا يجعل منه عنصرًا لا غنى عنه في حياة أي أمة. لكن الحذر واجب، فالجيش يعني دائمًا خطرًا محتملاً على البلد وعلى جيرانه.
الاختلاف الحقيقي بين الفريقين يكمن في حدود تدخل الجيش. فهناك من يمنحه كل الصلاحيات، وهناك من يقتصر على منحه حق الدفاع عن الوطن فقط. البعض يستنكر الثراء الفاحش لبعض كبار الضباط، بينما لا يعترض على البذخ الذي يعيشه بعض موظفي الدولة المدنيين. وإذا نظرنا إلى اليابان وألمانيا، نجد أن غياب الجيش لم يعيق تطورهما السريع، بينما ضعف بعض الجيوش أدى إلى انهيار دول أخرى أصبحت ضحية للإرهاب أو الفوضى المدعومة خارجيًا. وتبقى تركيا المثال الأقرب إلى التوازن: حكومة مدنية مدعومة بجيش جمهوري قوي. وينبغي للدول الأخرى أن تستلهم من نجاحها الاقتصادي.
في ختام هذه المراجعة، ينبغي على الناخب أن يتساءل: من نختار لرئاسة موريتانيا الجديدة؟ فلاننسَ أن الرئيس القادم سيواجه برلمانًا جديدًا ومجالس جهوية وبلدية حديثة العهد. وهذا يتطلب من الرئيس الجديد مهارة سياسية ومرونة كبيرة للتعامل مع المشهد المتغير.
فمن نختار؟ مدني أم عسكري؟ الإجابة ستعتمد على نوعية المترشحين في ذلك الوقت. الخيار الأمثل قد يكون انتخاب عسكري يُسانده نائب مدني أو العكس، لكن دستورنا لا يسمح بذلك. إذن علينا أن نختار من بين المترشحين أفضل عسكري يدعمه مدني كفء، أو أفضل مدني يسانده عسكري جيد.
البوص
2018