عندما تأمر روما ثم لا يطيعها أحد

في عالم الشمال القديم كانت روما واسبارطة في صراع لا ينقطع ، كانت روما قوية مفتوحة الشهية لكل  ما يلوح أمامها من  مكاسب وفرص، وكانت اسبارطة تعوض عن نقص قوتها بما ترفعه من مباديء وتلتزم به من وقيم ..و لكنهما كانتا دوما في صراع وتنافر، وكانت تتناثر من حولهما  قوى وممالك أصغر ،ىتتربص ببعضها  البعض، وأحيانا باسبارطة نفسها ، لكن على كل حال كانتا اذا اتفقتا وتصالحتا توقفت القوى الصغرى المتربصة  عن تمزيق بعضها ..

 كان هذا هو المنطقي، و المتوقع دوما في كل العوالم ثنائية القطبية،أو شبه ذلك،  و لهذا كان هذا أيضا هو المتوقع بين إيران واسرائيل يوم الرابع عشر  والخامس عشر  يونيو 2025م، عشية مكالمة ابوتين واترامب ، ولكن الوضع ازداد سوء وتفجرا، أما روما المفتوحة الشهية المندفعة فقالت هذا جيد ، بينما وقفت اسبرطة حائرة تراقب من بعد لا تدري ماذا تفعل أو تقول ! 

تصالح القوتين الرئيسيتين إذن لم يعد يكفي لخلق السلام لأن القوى الهامشية المسندة  دوما من احدى القوتين تحول بعضها الى وحوش مندفعة،  امتلكت أسلحة قوية وخطيرة وامتلك بعضها تكنولوجيا ونفوذ سيبراني ومالي  وديني ومذهبي .. 

اذن لم يعد التفاهم المنشود بين روما واسبارطة كافيا لسكينة العالم  وسلامه  ..

 هذ جزء من قراءة ربما تكون نسبية جدا لانه يحتمل أيضا أن روما لا تسيطر فعلا  على قرارها ، بمعنى أن روما لم تعد بالفعل هي روما،  فقد تكون  هناك مثلا سيطرة لقوى في الظل منفصلة عن الصوت المعلن ، البنتاغون مثلا في الولايات المتحدة ربما لا يمثله الصوت المعلن لترامب القادم  من خارج الدولة العميقة، كذلك المخابرات العامة ، هذه قوى لها حساباتها ، هذه دول داخل الدولة،  ولايات داخل الولايات المتحدة  ..وهكذا يمكن أن نكون جميعا نلاحق ونلهث خلف من ليس القرار بيده،   كذلك شركات السلاح، وشركات النفط أيضا التي تراقب في جشع وفرح  ارتفاع أسعار النفط غير عابئة بالموت والدمار تحت ذلك ، ألا يمكن أن تكون هذه هي روما متناثرة ؛ روما المفتوحة الشهية تحولت الى ما يشبه وحش الهيدرا متعدد الرؤوس،   هناك أيضا حسابات اسرائيل الخاصة   ومصالحها المنفصلة عن صوت روما المعلن  أيضا ...إن السؤال المطروح الآن وباختصار  هو هل يمثل اترامب فعلا صوت روما النافذ الذي يمكن أن يستند اليه المراقب في استشرافه  وتوقعاته؟

 هذا سؤال مهم لأنه يحدد ما اذاكانت هذه القوى الخفية هي نفسها القوى  المتربصة بروما واسبارطة معا، بل و القادرة على  افراغ كليهما أو على الاقل روما من نفوذها ونفاذ صوتها .. ربما هذا الغموض هو الذي  وضع   العالم كله في مثل هذا  الخوف والارتباك والشعور بالضياع.. فاذا رأيت مالم تكن تتوقعه،  فتوقع المزيد ، فلا مفاجيء اذن أن صار كل شيء مفاجيء و ممكن، حتى الشتاء النووي،  لا سمح الله.

أربعاء, 18/06/2025 - 14:59