تابعت كغيري من المهتمين المقابلة الأخيرة للدكتور احمد ولد هارون مع قناة المرابطون؛ التي أثارت بأساليبها ردود أفعال مختلفة؛ كانت سياسية في معظمها بحكم حساسية الموضوع وتوقيته.
وهنا لابد من التركيز على عنصرين في غاية الأهمية بالنسبة لي ؛ يتعلق أولهمابأسلوب الحوار ونوعية الإجابات .أما الثاني فيتمحور حول ردود فعل من يسمون أنفسهم بالموالاة؛ وإن كان هذا المفهوم يبدو غامضاً في تصوره وحتى في تموقع أصحابه داخل خريطة من المتغيرات التي يجد المرء صعوبة في تحديد عدة مصطلحات من قاموسها الأكثر استخداما من قبيل الأغلبية والموالاة ومناصري الرئيس...مهما اختلفت سياساته مع سلفه.
لقد تفاجأت كثيرا من أسلوب ضيف برنامج في الصميم الذي يبدو أنه لم يكن بتلك الحكنة السياسية التي يمتلك صاحبها مرونةً وقدرة على المراوغة؛ فهناك بون شاسع بين التنظير الأكاديمي وممارسة الفعل السياسي؛ فصراحة الرجل وبوحه بكل مايملك في نصف ساعة؛ جعله يبدو دون المستوى الذي ظهر فيه في تسجيلاته الصو تية المسربة.
المثير للاستغراب هو أن أحمدو ولد الوديعة طرح سؤالا واحدا بصيغ عدبدة؛ وهذا يعكس في أحد جوانبه أن الصحفي المحاور لم يجد صعوبة في التحايل على ضيفه.
عادة تُظهر إجابات السياسيين المحنكين قدرة خارقة على الإقناع؛ فهم يمتكلون مهارة سد الأفق أمام محاوريهم من خلال إجابات غامضة ومقنعة في نفس الوقت؛ لكونها تجعل الصحفي يدرك بجلاء أن صيغه الأخرى للسؤال لن تجد أجوبة؛ مهما كانت قدرته على المراوغة.
والظاهر أن أسلوب الابتزاز الذي اتبعه وديعة آتى أكله بسرعة؛ حين صرح الضبف بأنه يمتلك وثيقة مختومة تثبت تهريب ملايين الدولارات للخارج.
بهذا الأسلوب فقد ولدهارون المرونة المطلوبة؛ فقد كان الأجدربه ان يُلمح إلى وجود دلائل على فساد يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني دون ذكر الو ثيقة بالاسم واتهام مسؤولين بعينهم؛ كما أن استخدامه المتكرر لصيغ المبالغة في غير محلها ؛ أظهر حاجته الملحة لملء فراغات غير واردة في بداية هذه النوع من المقابلات ،على الأقل، لدى رجالات الواجهة الذين يفترض أنهم يحسنون اختيار مفرداتهم بعناية في مقابلات من هذا النوع؛ لأن تحمل هموم شعوب تعاني من تخلف واختلال في توزيع الثروة وفي تحديد أولويات التنمية المستديمة يتطلب ذلك .
لم يكن أسلوب الصحفي وديعة هو الآخر مفنعاً لكونه لم يطرح سوى سؤال واحد -تقريبا- طوال الحلقة؛ يتعلق بالأسباب الحقيقية وراء معارضة ولد هارون لنظام ولد الشيخ الغز اني الذي كان يشغل فيه منصبا ساميا .
والحق أن موضوع الوثيقة كان بمثابة نهاية للبرنامج فقد اربكت الطريقة التي أعلن عنها بها الضيف محاوره؛ لدرجة جعلته يفقد السيطرة على المحاور المتبقية إن كانت ثمة محاور.
ردود الافعال لم تخل من أساليب التجريح والتحامل؛ فالفيديو الذي سجله خطري ولد اج ظهرت فيه بوضوح نزعة تقليدية غارقة بطبعها في الخوض في حزازات داخلية يركز صاحبها على النبش المتعمد في الحساسيات بين أبناء المقاطعة الواحدة بأدوات أهل الخيام المعروفة .
أما الدكتور الكنتي فلم يستطع التخلي عن منهجه المعروف الذي لايخلو هو الآخر من نبرة حادة تروي ظمأ قلم اعتاد على الكتابة عن الزعامات المطلقة؛ فرغم الأسلوب السلس للكنتي وقدرته الخيالية على اختيار مفرداته؛ فإنه عجز؛ على غير عادته؛ عن مرافعة موضوعية؛ مفضلا اتهام ولد هارون المباشر بالاختلاس وبطريقة كان باستطاعته تهذيبها لوأراد ذلك.
الظاهر من كل ردود الفعل أن مقابلة ولد هارون أحدثت ارتدادات سياسية بالغة التأثير؛ يتضح ذلك من خلال بيان وزارة العدل الذي لجأ لمحاسبة النوايا بلغة تجاوزت حدود اللباقة الإدارية " ما انطوت عليه من تلفيق وسوء نية تجاه مرفقه السابق".
يرى مراقبون أن تلك الارتدادات جعلت أصحاب القرار يسابقون الزمن لوأد موضوع الو ثقية نظرا لحساسيتها وما قدتشكله من تهديد للأمن القومي.
ما ينبغي التأكيد عليه هنا أنه ليس من الانصاف تحميل فخامة الرئيس مسؤولية أخطاء أفراد في حكومته؛ فمنح الثقة قد لايكون بالضرورة تفويضا للتصرف باسم الرئيس؛ واعتقد أن تحميل الوزراء مسؤولياتهم بشكل مباشر يندرج ضمن خطة لمحاسبتهم بصرامة قبل انتهاء المأمورية الأولى؛ وإن كان موضوع هذه الوثيقة سيجعل بتنفيذ خطة من هذا القبيل؛ كانت مدرجة ضمن استرانيجية للرئيس لمحاسبة كل المسؤو لين المتورطين في التحايل على المال العام .
بهذا المنطق فإن الدفاع عن أخطاء أفراد منحوا ثقة لا يستحقونها يحرج النظام أكثر مما يخدمه.
ثمة من يرى أن ولد هارون مجرد ورقة من أوراق عزيز كان سيتخدمها في الوقت المناسب؛ وهو ما يثبته بحسب هؤلاء سرعة انخراطه في تنظيم دولي يشتغل ضد نظام غزواني؛ ويرىأصحاب هذا الطرح أن اعفاءه من منصبه كان بسبب شكوك غزواني في علاقاته المشبوهة بأنصار الرئيس السابق.
أيا كانت الأسباب والتداعيات؛ فالمؤكد أن د. أحمد ولد هارون يشتغل ضمن منظومة تعمل على تشويه صورة نظام ولد الغزواني؛ وربما اختراقه من الداخل؛ وليس تسريب تلك الو ثيقة سوى ارتدادات لسياسات تشكل خطرا حقيقيا،ليس على النظام الحالي فحسب، وإنما على أمن بلد يعاني من الهشاشة المزمنة بطبعه.
د.أمم ولد عبد الله