في الطرف المدني، وحجم الضرر، ورشوة المشتبه فيهم!
ب) حول حجم الضرر المزعوم وبينته: شركة سنيم! (تابع)
تحدثنا في الحلقة الماضية عن "المركز الاستشفائي للتخصصات" في نواذيبو، الممول من طرف خيرية سنيم نموذجا من "فساد ونهب العشرية". وها نحن نتحدث في هذه الحلقة عن مشاريع "فساد ونهب" أخرى مماثلة نبدأها بـ:
- "المعهد الوطني لأمراض الكبد والفيروسات" في نواكشوط.
ولإنشاء هذا المعهد قصة لا بد من ذكر بعض معالمها. لقد كانت أمراض الكبد الفيروسية منتشرة في موريتانيا بشكل رهيب يفوق ما هي عليه في الدول المجاورة، ولا نملك في مواجهتها إلا أن يرقد المريض في بيته أو في مستشفى غير متخصص حتى يتوفاه الموت؛ وقد يجد بعض المحظوظين فرصة نادرة للرفع إلى خارج قد لا يكون أفضل بكثير من الداخل، فيعود أغلبهم في تابوت!
وأمام هذا الوضع المزري الناجم عن هذا القاتل الصامت، قرر من يهمه الأمر أن يتحرك، وكان حازما وشجاعا ومسؤولا ومدبرا! فاستدعى وزير صحته وطلب منه أن يقدم له تقريرا عن حالة الوباء، ففعل وكانت مخيفة وخطيرة إلى أقصى الدرجات، فقرر إنشاء المعهد، وأن تتولى خيرية سنيم تمويله، وقال لوزير الصحة: اطمئن سوف نغير هذا الوضع البائس، وسوف أسلمك مفاتح معهد ومستشفى متخصص في أمراض الكبد والفيروسات. وظل يتابع الملف عن كثب إلى أن اكتمل الصرح، فاستدعى وزير الصحة وسلمه المفاتيح. وإليكم نبذة عما نشرته وكالة الأنباء الموريتانية عن تدشين ذلك الصرح!
"قطع فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز صباح اليوم الثلاثاء في مقاطعة تفرغ زينه الشريط الرمزي إيذانا ببدء تشغيل المعهد الوطني لأمراض الكبد والفيروسات.
وأزاح رئيس الجمهورية الستار عن اللوحة التذكارية لهذا الإنجاز العملاق الذي من شأنه أن يتصدى لأكبر تحد عرفته الصحة العمومية في بلادنا منذ عدة عقود؛ ألا وهو إشكالية علاج أمراض الكبد والفيروسات محليا بعد ما عانى منه المصابون بهذا المرض من التيه خلال عقود بين المستشفيات في الخارج؛ مما كلف ميزانية الدولة مبالغ ضخمة من مواردها من العملة الصعبة دون تقديم حلول لهذه المعضلة.
واطلع رئيس الجمهورية لدى إشرافه على حفل تدشين المركز - الذي تبلغ طاقته الاستيعابية عشرين سريرا- على البيانات التوضيحية له، واستمع إلى شروح من القائمين عليه حول طبيعته ومراحل إنجازه ودوره في تخفيف معاناة المواطنين جراء الإصابة بهذا النوع من الأمراض.
ويضم المعهد عدة أقسام منها:
قسم سريري يشمل استشارات ومختبرا وأشعة سينية وأخرى مقطعية وغرف عمليات وغرف حجز.
وقسما للصحة العامة، وآخر للبحوث العلمية والتكوين.
ويهدف المعهد إلى الوقاية والتوعية الصحية والكشف عن الفيروس، والتلقيح والتكفل بالمرضى من خلال التشخيص والعلاج والمتابعة والبحث العلمي والتكوين وتنسيق جهود مكافحة المرض والعلاقات مع الفاعلين التقنيين والماليين.
واستُقبل رئيس الجمهورية لدى وصوله - كما وُدِّع- من قبل الوزير الأول السيد محمد سالم ولد البشير ووزير الصحة البروفسور كان بوبكر وعدد من المسؤولين في القطاع، ووالي نواكشوط الغربية ونائبة رئيسة جهة نوكشواط والسلطات الإدارية والبلدية في مقاطعة تفرغ زينه.
وقد تم تنفيذ هذا الانجاز الأول من نوعه في المنطقة من قبل هيئة اسنيم الخيرية بمبلغ مليار وستمائة مليون أوقية.
ويعنى المركز بالتكفل بأمراض الكبد الفيروسي في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية بعمليات زرع الكبد، كما يعنى بالكشف والتكوين في مجال العلاج ومهمات البحث عن المستجدات العلمية في هذا المجال".
- المساهمة في برنامج إغاثة الريف.
وفي أحد أعوام الرمادة والجفاف الذي ضرب الريف الموريتاني، قامت خيرية سنيم بشراء كميات من العلف والأرز لصالح برنامج التدخل السريع.
- تبليط شارع جمال عبد الناصر، والرئاسة.
وفي إطار التحضير للاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال الوطني قرر مجلس إدارة سنيم المساهمة في الحدث الوطني بتبليط ورصف شارع جمال عبد الناصر وساحات الرئاسة؛ الأمر الذي تم توظيفه وتوظيف اتفاقية ملغاة وإدماجهما في حملة الإفك التي شنتها "لجنة التحقيق البرلمانية" بالتعاون مع بعض وسائل الإعلام. ومن بين الذين استهدفتهم تلك الحملة معالي وزير المالية الأسبق السيد أحمد ولد مولاي أحمد ولد سيدي ولد مولاي الزين، فكان لهم بالمرصاد ورد عليهم ردا شافيا جاء فيه ما يلي: "فوجئت بالخبر الذي أوردتموه بشأن وجود اسمي في أحد ملحقات لجنة التحقيق البرلمانية، ضمن المشمولين في ملف يتعلق بتمويلات خيرية اسنيم، وإن القارئ للخبر والتعليقات عليه؛ خاصة إذا لم يكن من أهل الاختصاص، قد يرتب على ذلك بعض الانطباعات الشنيعة حول المشمولين بالملف، نظرا لتوصيفاته وأحكامه المسبقة. لذلك أجدني مضطرا للدخول في سجالات لست بطبعي من أهلها ولا أركن إلى من يتعاطون معها؛ إذ لست طرفا ولم أكن يوما طرفا في السجال السياسي، وأعرف جيدا أن موقفا كهذا سيجلب في بعض الأحيان الكثير من التحامل من جميع الأطراف؛ لذلك أردت أن أتقدم بالملاحظات التالية:
أولا: السياق العام. وقع توقيع هذه الاتفاقية التي سيتم إلغاؤها كما سيتضح فيما بعد في سياق تحضيرات خمسينية الاستقلال الوطني لعام 2010، وكانت أسعار الحديد قد انتعشت بشكل ملحوظ في ذلك الوقت وكانت الحاجة ملحة إلى إعادة بناء وترصيف شارع جمال عبد الناصر والشارع المؤدي لرئاسة الجمهورية؛ فضلا عن تهيئة ساحات برئاسة الجمهورية (ساحة الاستقلال، ساحات عمومية، البستنة وتجهيزات أمنية).
وكان الإشكال المطروح حينها رغم التحسن الكبير الذى عرفته أسعار الحديد، واستعداد اسنيم للمساهمة في الحدث هو أن النفقات لم يتم الانتباه لها إبان إعداد الميزانية الأصلية لسنة 2010.
كان هناك حلان لإنجاز الأشغال قبل 28 نوفمبر؛ أولهما هو توقيع الاتفاقية وإدراجها ضمن الميزانية المعدلة لسنة 2010 وكان لهذا الخيار بعض المساوئ الإجرائية، لكنه في غياب حلول أخرى كان الحل الوحيد المتاح لإنجاز أشغال ضرورية واستعجالية لتخليد حدث وطني كان يحمل حينها طابعا استعجاليا، ويحمل أيضا رمزية خاصةً بالنسبة لجميع الموريتانيين.
الحل الثاني: وهو ما تمّ بالفعل فيما بعد؛ وهو الأنسب باعتبار مبادئ المالية العامة والمحاسبة العمومية. كان يقضي بتمويل شركة اسنيم على ميزانيتها الخاصة لجميع الأشغال المعنية، لتخرُجَ بذلك جميع الأشغال من الإجراءات المعقّدة وغير المواتية للمالية العامة. وقد تمت بالفعل موافقة مجلس إدارة اسنيم على تمويل الأشغال على حساب ميزانية اسنيم إسهاما منها في تخليد خمسينية الاستقلال الوطني وبذلك ألغيت اتفاقية التمويل وتفويض الأشغال وملحقاتها وتم العدول عن إدراجها في الميزانية المعدلة لسنة 2010.
ثانيا: فيما لو كانت هذه الاتفاقية قد نفذت على أموال الدولة هل كانت تعتبر هدراً للمال العام أو عملا غير مبرر؟ جوابي هو بالنفي المؤكد فتبرير الأشغال وطبيعتها الاستعجالية تبدو ظاهرة للعيان. كما أن الاتفاقية التي لم تكن تشمل إلا أشخاصا عموميين وتحظر المقاولة من الباطن (المادة رقم: 4 من نص الاتفاقية) يستحيل أن تؤدي إلى أي هدر؛ نظرا لأن الرابح والخاسر في الحالتين هو الدولة أو مؤسساتها العمومية. وبالنظر إلى حجم المبالغ ومراجعتها المتتالية بالمقارنة بحجم الأشغال يتضح أن اسنيم وفروعها كانت تحت ضغط عقد إذعان غير متوازن من طرف الدولة.
ثالثا:اتفاقية تفويض الأشغال التي تم العدول عنها لم تتضمن في أي من فقراتها ما يفيد بتعامل وزارة المالية ووزارة الإسكان مع خيرية اسنيم. كما أن تعامل اسنيم مع مختلف فروعها هو عمل اعتيادي ما لم يخالف القوانين والأنظمة المعمول بها.
وفي الخلاصة: يبدو لنا أنه تم تضخيم واجتزاء معلومات تتعلق بأشغال روتينية مبررة في سياقها الزماني والمكاني ولا تتضمن أي مصالح شخصية؛ لا في ظاهرها ولا في باطنها، تخص المعنيين في الملف. كان الهمُّ الأكبر - وقد حصل بفضل الله- أن تزهو عاصمتنا بشارع جمال عبد الناصر الحالي وبرئاسة الجمهورية بمظهرها الحالي".
أولم أعترف أمامكم بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد "نهب" شركة سنيم فعلا.. ولكنه "نهبها" لصالح موريتانيا وبتمالؤ وموافقة من مجلس إدارتها الذي هو السلطة العليا والشرعية فيها؛ علما بأن المبالغ المتحدث عنها لا تمثل إلا النزر القليل غير المعتبر في خانة أرباح تلك الشركة، ومقارنة بما تقوم به مثيلاتها في البلدان التي تعمل فيها!
ومع ذلك فقد كانت خلاصة "لجنة التحقيق البرلمانية" الفضولية واللا شرعية، هي: "نسجل في البداية أن خيرية سنيم إذا كانت تعتبر في بداية أمرها خاضعة للمقتضيات المنصوص عليها في قانون الجمعيات الصادر بتاريخ 9 يوليو 1964، فإن دراسة العقود التي أبرمتها هذه الخيرية تظهر أنها قد تدخلت في مجالات أوسع بكثير من نطاق المهمات الموكلة إليها بموجب نظامها الأساسي (وهي مهمات تنصب في الأساس على العمل الاجتماعي ومكافحة الفقر). إن مثل هذا التصرف يضفي على جميع العقود التي أبرمتها الخيرية خارج نطاق تدخلها كما تحدده نصوصها التأسيسية، طابعا من اللاشرعية" (تقرير الصياغة الاستنتاجات والتوصيات ص 21). ونفس الخلاصة استخلصتها نفس اللجنة حول "صفقات شركة سنيم وسياستها التجارية" فقالت: "إن تحليل الظروف التي اكتنفت إبرام صفقات سنيم قد أظهر أن الشركة اعتادت أن تتدخل في ميادين واسعة بعيدة جدا عن المهمات الموكلة لها بموجب نظامها التأسيسي (ترتبط هذه المهمات أساسا باستغلال الحديد في موريتانيا) إن هذا التدخل الواسع يحكم مباشرة بالبطلان على مجموع العقود المبرمة خارج ميدان تدخل سنيم كما تبينه نصوصها التأسيسية" (تقرير الصياغة الاستنتاجات والتوصيات ص 37) فلجنة التحقيق البرلمانية اللاشرعية؛ والتي لا سلطان لها مطلقا على سنيم وخيريتها، ولا يحق لها أن تتدخل في تسييرهما، توصي بوجوب عدم تدخل سنيم وخيرية سنيم في الأعمال الخيرية ذات النفع العام، كالمستشفيات وإغاثة أهل الريف، وفي الأعمال الوطنية والبناء الوطني، بحجة خروجها عن "نطاق المهام الموكلة إليهما بموجب نظاميهما الأساسيين"! أي أن تستغل فقط! ولعل البديل هو القيام بعمل "خيري وطني" أعم وأشمل؛ خاصة مع إمكانية إنشاء جمعية صداقة برلمانية مع هيئة سنيم الخيرية ومع سنيم نفسها!
فرحم الله تاتاه الِّ تَبْجَعْ للصْنَادْرَ خَايْفَتْهُمْ إذَوْنُّ! وعفا عن أحد مديري الضرائب الغابرين، وكان مشهورا بوضع ضرائب مضاعفة عشر مرات أو أكثر بغية فتح مجال الحوار والتصالح على شيء ما!
* شركة صوميلك.