غرب إفريقيا يعاني نفس المشاكِل: مديونية مرتفِعة؛ طبقة فاسِدة؛ وأنظِمة متكلِّسة وفاقِدة للمصداقية بسبب تداخل المصالِح والوظيفة؛ ونخبة ضيّقة الأفق؛ وتبلبل اجتماعي؛ واقتصاد منخور، و، أحياناً، دولة فاشِلة. في العشرية الماضية عادَ جلّ غرب إفريقيا إمّا إلى أنظِمة انقلابية أو عسكرية-مدنية أو سُلالية أو ديمقراطية محدودة. وفي 2024 نجج السنغاليون فيما فشلنا فيه، وهو تجديد الطبقة السياسية وإخراجِ النظام المتكلّس بثورة شبابية انتخابية.
ورغم زيادتِهم علينا (اقتصاد أكبَر؛ وإدارة عمومية أكثر احترافية؛ وتاريخ ديمقراطي وحداثي أرسَخ؛ وتاريخ مستمِرٌّ في التبادُل السلمي للسلطة؛ وقدرة للشباب على الاستقلال والثورة على الدولة) وقيامِهم بإصلاحات تتعلّق برقابة الأسعار وضبط الشفافية في المعاملات والتدخل في الأسعار لحماية المستهلِكين إلاّ أن القضية بُنيوية ، وليست فقط فنّية. فما زالت السنغال بطيئة في الإصلاحات: ما زال التحرّر من الفرنك الفرنسي بطيئاً؛ المواجهة مع النقد الدولي ومراجعة الاتفاقيات مع شركات الغاز ستفتَح الباب للتمويل العربي لاستبدال التمويل الأوروبي، ولكنّها ستزيد المديونية، التي بلغت ٩٩٪ من الناتِج القومي. هذه دُول ممسوكة من آذانِها بالديون. ويبدو أنّ حلّهم خلطٌ غير صحّي بين سياسات التقشّف وسياسات دعم الأسعار. وبعبارة أخرى ففي السنغال صراع شباب شجعان، ولكن بطيئي الحيلة، امام طواحين السوق والنظام الدولي والدولة الإفريقية المُنهَكة.
عموماً فإنّ القيادات الشابة في المنطِقة تُعاني في تسيير الحُكم. بل وحتّى في مفهمتِه. في مالي وبوركينافاسو والنيجر، تعاني الأفريقانية ما بعد الكولونيالية والعسكرتاريا المُحدَثة من عدةّ تحدّيات عرقية وأمنية. ورغم نزعة ثورية، لا تبدو هذه الأنظِمة ناجحة في بناء دول متماسِكة في الحقوق والأمن والرفاه. بل وتلجأ إلى سياسة الهروب إلى الأمام وتصدير الأزمات وعدم تسبيق الأولويات.
أمّا الطبقة الثائرة في موريتانيا، والتي تضمّ سواد الفسابِكة وجمهور الشباب والجماعات السياسية غير المعيارية أو الثورية، فإنّها ليست قادرة إلى حدّ الآن على نقاش وطني تاريخي. وقد فضَحها نقاش الهويات، كما النقاش اليومي للمستجدّات، إذ أظهَر أنّها في قلب الصراع العرقي، بدل أن تكون مشروعاً للخروج منه. وأنّ الحُجنرة تعلوة فيها على العقل. إنّها أشبَه إلى نُخب الثمانينيات التي أدّى ضيق أفقُها إلى مذابِح كبيرة. ويبدو أنّها مُنهَكة بالترند ولا تقدِر أن تعلو على التنابزات السياسية وتُفكّر من خارِج الصندوق. ورغم وجود نية مخلِصة للإصلاح إلاّ أنّها ما زالت تحتاج دُربةً تحليلية وفي العلاقات العامّة والمبادَرة السياسية ورؤية سياسية حقيقية وغير إنشائية. وأظنّ أنّها، خلافاً لشباب الخمسينيات لن تقدِر على وراثة الحُكم بسلاسة. ولكن ما زال أمامها وقتٌ للممارسة وتغيير العقلية والثورة الثقافية.
ابو العباس ولد ابرهام