قبل أن تبسط فرنسا سيطرتها على الضفة اليمنى لنهر السنغال بسنوات قليلة، حط الرحال بمدينة اندر السنغالية المستشرق الفرنسي المتخصص في الدراسات الإسلامية واللغات العربية والبربرية (الأمازيغية) رينيه باسيه. أمضى باسيه سنة 1897 في هذه المدينة التي كانت تمثل مرصدا تراقب منه فرنسا شؤون غرب الصحراء مستقصيا أخبار البيظان ومدونا لغاتهم، ليصدر سنة 1909 كتابهMission au Sénégal: Étude sur le Dialecte Zénaga, Notes sur le Hassaniya, Recherches Historiques sur les Maures مهمة إلى السنغال: دراسة عن اللهجة الصنهاجية، ورقات عن الحسانية، بحوث تاريخية عن البيظان.
ويبدو كتاب باسيه، بالمقارنة مع إصدار فيديرب السابق عن الصنهاجية، شاملا وغنيا بالمعلومات سواء فيما يتعلق بالوصف النحوي والصرفي والصوتي أو في جزئه المعجمي، أو في ما يقدم من مقارنات مع تاشلحيت وتاريفيت ولغة ورغلة وغيرها. لكن ما ميز كتاب باسيه هو اهتمامه بالتراث المحكي والقصصي في الصنهاجية. فقد أورد أكثر من عشرين قصة تنوعت بين الخرافي ومماحكات القبائل وبعض قصص جحا ومقاطع من كتاب المستطرف.
وتظهر الاختلافات اللهجية بين كتاب فيديرب الذي اعتمد على ناطقين بالصنهاجية ينتمون لقبائل من أقصى جنوب غرب الترارزة (تندغة، إدو الحاج، إكمليلن) وبين كتاب باسيه الذي اعتمد فيه على متحدثين بها من أولاد ديمان. وقد نقل باسيه قصصه عن أحمدو ولد ابن ولد الأمانة، بالإضافة إلى شخصين آخرين هما أحمد سالم واللام Llam القادم من بئر المدروم قرب المذرذرة.
ومعظم هذه القصص متداول في التراث الحساني بنفس الثيمات والشخوص حيث ملك الغابة الأسد (وَأْرْ) واللبؤة (تاءْرْتْ)، والضبع (گاهوهْ) المرتعد فرقا من الأسد، والذئب (أثذيه) المحتال، ومندريشْ القاضي الحكيم صاحب المقولة الخالدة: أسِّــنْــتِ اذْ أَكْــفِ إي تَــيرثژ تيرْكيئْذْشْ - أعرفه واعطِ للنيرب عجلته.