نُخَبُنَا الًتِي تَمْشِي مُكِبًةً علي وُجُوهِهَا.
ليس من العسير بل يكاد يكون من البَدَاهِي ملاحظةُ حاجة بلادنا إلي تفكير صادق شامل مُخْلِصٍ و جريئ خِلْوٍ من تَوَابِلِ و مُنَغِصَاتِ "السياسة المُتَسَيِسَةِ" تَتَزَاحَمُ حوله عقولُ جميع النخب الوطنية العُلْيَا المُقِيمِ منها "رَغْبَةً" أو "رَهْبَةً" و المُهاجر منها اخْتِيًارًا أو اضْطِرَارًا و ذلك ابتغاء صياغة مشروعِ
إصلاحٍ مجتمعي اسْتِبَاقِي و اسْتِشْرَافِي.
ويكاد يكون من المجمع عليه أنه لا عَاصِمَ من سرعة "تْسُونَاِمِي" عدم الاستقرار الذي يَتَرَبًصُ بمنطقتنا العربية و الإفريقية الدوائر إ لا التوكل علي الله عز و جل ثم "عَقْلُ" الشأن الوطني عن طريق يَقْظَةٍ نخبوية شاملة و جريئة تُساهم من خلالها جميعُ النخب الوطنية العليا في تحيين العقد الاجتماعي الوطني و عدم ترك المستقبل الوطني في مَهَبِ التجاذبات "السِيًاسَوِيًةِ"و "المَدْنَوِيًةِ" التي لا تُحسن عادة التفكير في غير المدي القصير بل و " اللًحْظِيِ" أحايين كثيرة.
و يَتَعَيًنُ أن يُحَيِنَ و يُجَدِدَ و يُعيدَ مشروع الإصلاح المجتمعي المطلوب غَرْسَ رواسي و ثوابت و أوتاد العقد الاجتماعي الوطني تَنَاُغُمًا مع "المُسْتَجَدًاتِ الديمغرافية و السوسيولوجية" و ضرورات التكيف و الملاءمة السياسية و الاجتماعية و الوقاية من مخاطر انتقال عدوي " الحريق السياسي و الإثني و الطائفي" الذي كان بمثابة "الحَالِقَةِ" التي حَلَقَتْ- للأسف و لفترة ربما تكون طويلة- دولا عربية و إفريقية من كل مقومات الاستقرار و العيش المشترك...
و من المُثير المُحرض لكبير الاستغراب تَقَاعُسَ وغيابُ "النخب الوطنية العليا" العلمية و الجامعية و المحظرية المقيمة و المهاجرة عن المساهمة في إثراء النقاش العام حول ما يمكن اقتراح التوافق علي تسميته الحاجة الاستعجالية " لتحيين العقد الاجتماعي الوطني" تاركين الحبل علي الغَارِبِ لمُنَاكَفَاتِ و مُطَاَرَحَاتِ العديد من "المثقفين الجُدُد" علي صفحات المواقع الألكترونية و وسائط التواصل الاجتماعي عبر التدوينات و "المقالات السريعة" القصيرة قِصَرًا "مُغَيِبًا" لذات المعني و كَاشِفًا عن "عَنْكَبُوتِيًةَ" المبني.
و يؤخذ علي المثقفين الجدد التًسَرُعُ في "طبخ الأفكار" و تسوقيها نَيِئَةً لَمًا تَنْضُجْ بعدُ بالإضافة إلي تواضع التأثير علي الرأي العام؛ و لَئِنْ كان منهم نُبَهَاءُ فُطَنَاءُ أُمَنَاءُ حَادِبُونَ و نَاصِحُونَ للوطن فإن منهم من يُغْمَزُ فيه بفقد "العدالة العلمية" و نقص " المناعة الفكرية" و محدودية "التجربة الهادية".
و الوطنُ في مَسِيسِ الحاجة إلي ترشيد المُنَاكَفَاتِ من طرف "النُخَبِ العُلْيَا" التي تمشي حتي الآن مُكِبًةً علي وُجُوهِهَا منشغلة و غارقة في أوحال مستنقع الأمور الخاصة، كأنما فَقْرُهَا بين عَيْنَيْهَا، غير مُهتمة بالشأن العام تُرَاقِبُ المشهد الوطني باسْتِحْيَاءٍ...
و يتهمُ البعض النُخَبَ العليا بممارسة " التًقِيًةَ السياسية و الاجتماعية" خَوْفًا علي مواقعَ أو طَمَعًا في منافعَ أو رغبة في رضي المجتمع أو رهبة من سَخَطِ الناس وقد كان من الواجب أن تكون تلك النخب العليا قوة استشراف و "إنذار مُبَكِرٍ" و نُصْحٍ و اقتراح "منزوعة التًسًيُسِ" تُعِدُ الأوراق العلمية الرصينة حول أمهات القضايا الوطنية التي لا زال يَلْتَبِسُ علي الناس كيفية تشخيص اختلالاتها و تقويم اعوجاجاتها .
فقد كان حريا بنخبنا العليا مثلا أن لا تكتفي بدور المتفرج - تَصْدِيًةً و تَسْلِيًةً- علي المناكفات السياسوية حول الحوار الوطني بخصوص أمهات القضايا الوطنية ومستقبل البلد خلال العشرية أو العشريات المقبلة و أن تعد مساهمات عالية المستوي حول الحوار الوطني المطلوب و تدرس ضوابط نجاحه و مخاطر تعثره و فشله.
كما أن النخب العليا مطالبة بأن تستأنس في سبيل ذلك بتجارب الدول الشبيهة مقدمة أوراق علمية " منزوعة التسيس" تُرشد المعارضة و الموالاة و الرأي العام للطريق المستقيم إلي الحوار الوطني الهادي إلي سواء السبيل و إلي بر الأمان السياسي و المجتمعي و من الأكيد أن ذلك سيكون موضع ترحيب و اعتراف و تثمين و تقدير من جميع أطراف الحوار و أوكدها الجهات الداعية و المشرفة علي الحوار...
و في هذا السِيًاِق و إلي ذلك المَسَاقِ وَدِدْتُ لو أن النخب العليا تَمَلًكَتْ شجاعة "المسؤولية الوطنية السامية" و سارعت إلي إنشاء "مِنَصًاتِ تفكير" مستقلة Lance-idées / think- thrower تجمع أعلام التميز العلمي و الفكري المتواجدين بالوطن – و ما عددهم بقليل - و المقيمين بالمهجر- و كثير ما هم- بهدف مراقبة وتحليل و متابعة و تقييم "المستعجلات الوطنية".
و يحسُنُ أن تتخصص منصات التفكير تلك في إنتاج و إنضاج الأفكار التي تُصححُ الاختلالات و تُقَوِمُ الاعوجاجات و تستشرف المخاطر و تقترح الإجراءات الاستباقية و الوقائية حول أمهات المستعجلات الوطنية: الهويات المتعددة و تحدي بناء المواطنة، الثروة الوطنية في خدمة العدل الاجتماعي، مسألة التعامل مع إرث رواسب العبودية ، إصلاح التعليم،و التنمية المَنَاطِقِيًةِ المتوازنة...
و ختاما، فإن آمالنا عِرَاضٌ في ميلاد عاجل ليَقْظَةٍ نخبوية شاملة بالداخل و المهجر تتعالي علي المناكفات السياسوية و "الرِبْحِيًةِ الانتخابية" و تُشكل قوة اقتراح و إمداد و توجيه و تسديد سبيلا إلي " تحيين العقد الاجتماعي الوطني" تحيينا استباقيا يحفظ البلد من مخاطر فُجَاَءِةِ التحول و التحيين و التغيير و التطوير و أخشي ما أخشاه إن طال انتظار ميلاد تلك اليقظة النخبوية أن يقول قائل أو مُتَقَوِلٌ بأن نُخَبَنَا الوطنية بالداخل و المهجر كثيرة و كفوءة تبارك الله لكنها " نُخَبٌ لا تَصْهَلُ".
———————————————
*هذا المقال كتبتُه عام 2015فلما راجعته اليوم ابتغاء تحيينه وجدته مازال صالحا لهذا الزمان و المكان لم أستطع زيادة و لا حذف حرف واحد منه.