بعد عقود من النضال قضيتها ناشطا أتخير من الأحزاب والهيئات أكثرها تقدمية ومناهضة لمصاصي دماء الشعوب..
وبعد أن اقتنع الكثير من رفاقي بنظرية الإصلاح من الداخل وانخرطوا واحدا تلو الآخر في صفوف الأنظمة المتلاحقة...
وبعد أن تعبت من انتقاد قرارات ومواقف زعمائي في النضال، التي كانت تأتينا في جنح الظلام معلبة..!
بعد كل ذلك انتهزت فرصة التغيير الذي تم حينها..وأعلنت دعمي اللامشروط للنظام الجديد..
كانت لحظة فارقة في حياتي لقد فاجأ القرار الجميع، وسلط علي رفاق الأمس ألسنة حدادا وولغوا في عرضي وأعراض قادتي الجدد بشتى العبارات القدحية..
لكن ذلك لم يثنني عن قراري الجديد، بل على العكس، دفعني إلى أن أكون رأس حربة في الدفاع عن النظام وسيفا مصلتا في وجوه مناوئيه!
الخطوة الأولى..
جميع الوسائل والساحات شهدت وتشهد على دفاعي المستميت عن نظام الحكم، وعلى أنني كنت من بين القليلين الذين تمكنوا من رد سهام المناوئين للنظام في نحورهم بفعل ملكتي التعبيرية النادرة وخبرتي الدقيقة بخفاياهم الدفينة...
جهود كبيرة كانت كافية لإقناع رفاق الأمس بانبتاتي المطلق منهم، لكنها لم تكن كافية لأنال ثقة فريقي الجديد..
أحد أصدقائي المخلصين اقترح علي "تحريك السبة"! وأقنعني بذلك!
لم أجد صعوبة كبيرة في الحصول على من يقدم لي تلك الخدمة فقد تولت السيدة البحث عن من يقوم بها!
وبالفعل لم يتأخر تعييني بعد استخدام ذلك"السر" كثيرا!!!
الخطوة الثانية...
في أول يوم من العمل بعد تعييني على رأس تلك المؤسسة الخدمية اجتمعت بالأطر والعمال وقدمت لهم التوجيهات اللازمة للتحسين من أداء المؤسسة والأساليب الضرورية لتجاوز المشاكل البنيوية التي تعاني منها، بما في ذلك الحد من التكاليف غير الضرورية!
في اليوم الموالي اجتمعت بالمحاسب وأطلعني على الطرق التي كانت متبعة في التسيير، والتي تضمن للمدير الحصول على بعض الامتيازات الضرورية لمن يشغل مثل هذا المنصب!
لم يقنعني المحاسب بماقدم من تفسيرات، بل بدت لي هذه الطرق نوعا من تبديد المال العام لذلك رفضتها جملة وتفصيلا!
الخطوة الثالثة...
قبل نهاية الشهر الأول استلم كل الأطر والعمال رواتبهم ومستحقاتهم الإضافية، وقد كانت تلك الخطوة محل تثمين من الجميع، خاصة أنها أول مرة تحدث منذ عدة عقود!
لكن الإحساس بهذا الإنجاز لم يدم كثيرا، بعد أن اعتاده الجميع؛ بل على العكس من ذلك، بدأ العمال يتذمرون، ويثنون على من كانوا قبلي..
ويصفونني بالبخيل، لأن الأعطيات خارج النظم لم تعد موجودة!!
الخطوة الرابعة...
رغم التحسن البين الذي طرأ على خدمات المؤسسة وقدرتها المستجدة على الوفاء بالتزاماتها المالية في الوقت، إلا أن ذلك لم يحد من انتقاد العمال والسياسيين والوجهاء والصحافة والمدونين وأصحاب "السر" لشخص المدير!
في خضم ذلك الانتقاد زار المسؤول الأول عن القطاع المنطقة وعلى عكس باقي الزملاء، لم أزره في محل إقامته؛ بل اكتفيت باستقباله في مقر الشركة وتقديم الشروح له!
الخطوة الخامسة...
بعد عودة المسؤول الأول لمكتبه اقترح على المجلس تعيين المحاسب على رأس المؤسسة نظرا لتزايد أصوات العمال من طريقة تسييري...!
بعد فترة نقاهة لم تطل كثيرا، لله الحمد، تم تعييني في منصب جديد، وقد تمكنت من المحافظة عليه بعد أن عرفت كيف أكسب ود العمال والسياسيين والوجهاء والصحافة والمدونين وأهل"السر"..!
وقد صدق من قال "أن كل محنة اتزيد اعقل"!
حفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين والعرب
(من وحي الخيال)
الديماني محمد يحي