
أثارت نتائج تلاميذ ثانوية أغلمبيت المتدنية في امتحانات الشهادة الإعدادية زوبعة من الجدل و النقاش، كلها أو أغلبها كانت منتقدة و مستنكرة لهزالة النتائج المحصل عليها، و في نفس الوقت مستغربة أو متسائلة عن الدواعي أو البواعث التي أوصلت مؤسسة بدأت مرموقة و متفوقة على نظيراتها محليا و جهويا، بل و وطنيا إلى مثل هذا المستوى.
و مع شدة تأثري بتلك النتائج، و ما خلفته في نفسي من شعور بالإحباط، فقد أحجمت عن التعبير عن ذلك في أوانه، حتى لا يساء فهم المقصد و يؤول كلامي على غير ما أردته.
و الآن و قد هدأت العاصفة و امتصت الصدمة، فإني أود أن أدلي بدلوي،راجيا من إخوتي و كل المهتمين التفكير معي بما يكفي من التجرد للوصول إلى حلول عملية قابلة للتطبيق، بدءا من الموسم الدراسي القادم، و كفيلة بإعادة الأمور إلى نصابها و تبوأ المؤسسة مكانتها و استعادتها تميزها و ألقها.
لكنني سأحاول أن أكون مختلفا في تحليلي، و لذلك لن أبدأ بالانتقاد و التخوين و التشكيك، فحسن الظن بإخوتي و التماس الأعذار لهم هو عندي مبدأ و ديدن و سجية.
لذلك فإنني هنا، سأبدأ بما لم أر من بدأ به قبلي، فألفت النظر إلى جزء الكأس الملآن، آملا في تغليب جانب التفاؤل و تعزيز بواعث الأمل، خاصة لأن بشائره عندنا وافرة و عديدة.
إن المتأمل في واقع مؤسستنا يدرك أنها لا قدر لها إلا التألق و النجاح، فهي في مجتمع مشهود له بالتفوق و التميز العلمي،
ثم إنه ليس هناك ما يمنع موضوعيا من استمرار تألق هذه المؤسسة و سطوع نجمها، فلدى طلبتها من الاستعداد و الإمكانات ما يكفي إن وظف أحسن توظيف، و لدى أساتذتها من الوقت و الكفاءة ما يكفي إن وجد الحافز و حضر التصميم.
أما الجزء الملآن من الكأس و الذي أريد لفت الانتباه إليه، فهو تلك الشهادة الناصعة من هذه النتائج بخلو مؤسستنا من الغش و التحايل، فالمؤسسات التعليمية في الأرياف و المناطق المعزولة، طالما اعتبرت مرتعا للغش و التحايل و سجلت بذلك معدلات قياسية في نسب النجاح بتمالؤ من الإدارة و تواطآ من الرقابة. لذلك فإن هذه النتائج تمثل برهان براءة و دليل طهر و نقاء، يمكن البناء عليه بفخر و اعتزاز مستقبلا.
لكن ذلك لا يجب أن يلهينا عن مرارة الواقع و بؤس الحال، فلا بد من التفكير في أسباب التراجع و عوامل الفشل و العمل من الآن بتصميم على التغلبعليها كلها.
و فيما يتعلق بالأسباب، فإنني أدرك أن هناك فتورا، و عدم اهتمام جلي لدا التلاميذ، و هناك نقص مزمن في أساتذة بعض المواد المهمة. يضاف إليه سلبية الآباء و انسحابهم و لا مبالاتهم، مع عدم اكتراث واضح كما ينبغي من الأساتذة. و يزيد البعض على ذلك قضية الإدارة بالوكالة و ما تثيره من شعور بالفراغ، فمهما قام به القائمون عليها من جهود، و مهما بذلوا من تضحيات، فالمدير بالوكالة دائما كما يقول المثل، كلحم الرقبة(موكول و مذموم).
و يلمز البعض – ربما من المتأثرين بنظرية المؤامرة- إلى أن هذه الهزالة في النتائج، و بهذا الشكل، قد تكون نتيجة تآمر بعض المصالح التقنية في بعض المستويات الجهوية التي لا تنظر بارتياح إلى وجود ثانوية في أغلمبيت.
تلك هي الأسباب التي يذكرها أغلب المتناولين لهذه القضية و المتابعين لها.
و مع اختلاف مستويات و جاهتها، فإنه ينبغي التفكير الجاد للتغلب عليها، على وجه السرعة، و بأيسر السبل و أقلها كلفة.
يجب أن تعلم الإدارة على المستويين الجهوي و المركزي، أنه لا بد من توفير الأساتذة لتلامذتها في هذه المؤسسة، إن كنا حقا قد دخلنا عصر المدرسة الجمهورية و ديمقراطية التعليم. و لا بد من سد الفراغ المزمن في المناصب الإدارية و على رأسها المدير العام. فلا يليق بمؤسسة أن تمضي ثلاث سنوات بلا مدير عام. مهما كانت جهود المدير بالنيابة، و الذي ننتهز هذه الفرصة للتعبير عن تثميننا العالي لمساعيه المخلصة، و تقديرنا الكبير لمجهوده الطيب.
و لا بد للتلاميذ أن يشمروا عن ساعد الجد، و أن يتحلوا بالصبر و العزيمة و علو الهمة و السعي و التصميم إلى التألق و الفوز.
أما الآباء فعليهم أن ينخرطوا بكامل جهودهم في العملية التربوية، و أن يشعروا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، و أن يعلموا أن أحسن ما يكسبون في دنياهم و يدخرون لأخرتهم، هو الولد الصالح المؤدب و المتعلم، الذي يعينهم على نوائب الدهر و يدعوا لهم بالخير.
و على الجميع إدارة جهوية، ورابطة آباء تلاميذ، و كل أهالي البلدة و المنطقة،أن يتحلوا بروح المسؤولية و يضطلع كل منهم بمسؤوليته أمام الله و الوطن و التاريخ، حتى تنجح هذه المؤسسة، لأنها ما وجدت إلا لتبقى، و لأن قدرها رغم كل شيء هو أن ترتقى و تتألق.
و لا بد من الإلحاح و التأكيد على الخصوص على الأهالي أن يتمسكوا بمؤسستهم، فيعضوا عليها بالنواجذ، و أن لا يفكروا أبدا مجرد التفكير في تحويل أبناءهم، فالغزال يموت في جدبه، و ما يبقى في الوادي إلا حجارته، و تجوع الحرة و و لا ترضع ثديها.
و ما هذه النتائج على مرارتها إلا عثرة جواد لن يلبث أن ينهض بعدها و يقوى، أو سحابة صيف عابرة، ستزول و تنقضي لتعود المؤسسة إلى تليد مجدها و سالف عهدها، و عتيد عزها و ألقها....و يومئذ إن شاء الله يفرح المؤمنون بنصر الله.