في صباح مثل هذا اليوم، قام قائد الأمة العربية جمال عبد الناصر ، وحركة الضباط الاحرار في مصر، بثورة مجيدة، تجاوزت خلال اربع سنوات، حدودها الاجتماعية في قطر مصر، إلى الوطن العربي، و من مصر المركز، إلى الدوائر الثلاث العربية ، والإسلامية، والعالم - ثالثية،،،
وذلك ابتداء من الانتصار على قوى العدوان الثلاثي الامبريالي في العام ١٩٥٦م.
حيث فشل العدوان، وانهزمت كل من فرنسا، وبريطانيا،، وغاب دورهما الامبراطوري الذي كان مهيمنا منذ القرن الثامن عشر الميلادي،
وكان للثورة العربية، هذا الدور من تجاوز القطري إلى القومي منذ اضحت ثورة الثالث والعشرين، ثورة قومية، تنادي بالاسقلال الوطني لكل قطر عربي من الاحتلال في سبيل تحرير الوطن العربي من المحيط الى الخليج...
وكان لغياب قائد الأمة، السقوط الانحداري من علياء المسرح السياسي للأمة العربية، وتراجع مشروعات النهضة، وبداية للانحطاط الحالي، خلافا لما شهدته الأمة في الخمسين سنة من القرن الماضي من تحولات هائلة في سبيلى استنهاض الامة، واسترجاع كرامتها، وعزتها، وشخصيتها القومية الجامعة التي افتقدها منذ غياب كل من قادتها التاريخيين" يوسف بن تاشفين"، و "صلاح الدين الأيوبي"، فلما جاء جمال عبد الناصر، كان حاملا معه للأمة العربية مشعل التحرر، وتحرير فلسطين، والأمة جمعاء،، وذلك بمبادئ أهداف الثورة الستة في تصور مكتمل الرؤى، والمنهج، والسياسة الاستراتيجية، وذلك لبناء المشروع الوطني نظريا وعمليا،، وبنجاحه خلال ١٨ عشر عاما، كان الفكر الوحدوي، قد بلور ضرورات الأمة في:
١- التحرر من الاحتلال، وتحرير فلسطين، واسقاط أنظمة التخلف والعمالة.. .
٢- ، اقامة مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية في ظل الاشتراكية العربية، كنظام لتقسيم العمل في المجتمعا العربية التحديثية...
٣- الوحدة العربية ،كضرورة لبناء مجتمعات الأمة العربية، وتكاتف قواها المادية ، والعسكرية، والبشرية، والاقتصادية، والفكرية ، والمعنوية،، لمأسسة المشروع النهضوي الذي اثبتت تجارب التاريخ في الماضي خلال القرون الثلاثة الثامن عشر، والتاسع عشر ، والعشرين، ان لا نهضة بدون وحدة سياسية، واندماج اجتماعي، واحياء مشروع الأمة القومي..
وهكذا تمت وحدة كل من المانيا، وفرنسا، وايطاليا، واسبانيا،، وغيرها، كما اثبتت تجارب القرن العشرين ، أن نهضة الشعوب، مرهونة بالاستقلال الوطني، والوحدة السياسية، والاجتماعية، كالهند، والصين وغيرهما...
، كما أشرت الأحداث الجارية في الوطن العربي في نتائجها المؤلمة للأمة العربية، أن غياب القادة القوميين، استحال معه إمكانية اقامة النهضة،، لأنهم بناتها بدون جدال، ولا ينكر ذلك الا العملاء، والجهلة، والمأجورين، لأن غياب القيادة القومية، شكل معاول هدم لما أنجز من المشروع النهضوي العربي العام في مصر، والعراق، و الجزائر، وليبيا، واليمن،، وأن البديل للقادة، هو الاحتلال، وامراء الحروب، وتسيد الانظمة الفاشلة من طنجة، وجزيرة "الواق واق" إلى " المنامة" في البحرين، و"الربع الخالي" على أطراف "بلاد الحجاز"..
ولو ان الحديث سيبقى مفتوحا مع الكتاب الذين يعتقدون خطأا في إمكان قيام نهضة للأمة بغياب القادة القوميين، وهم لفي عمى لما ينظرون له، كما لو انهم ينظرون إلى الواقع بابصارهم التي لا ترى الا ما تحدده عدسة البؤبؤة الواحدة، المفقوءة الاخرى..
ويحضرني الزميل / الهادي بن محمد المختار النحوي/ الذي كتب مقالا(٢٠٠/٠٧/١٥) تحت عنوان" نهضة الامة: الأسس، والاسئلة، والاشكالات، وسبل الانطلاق.."
لكن مقاله الجميل الذي يشكر على التزامه بشروط البحث العلمي في التوثيق، ولعل هذه ميزة المقال، و التزام الكاتب بالشروط في التوثيق، وما عداهما، فهو محل مراجعة، نظرا لتغييبه - عمدا، او عجزا - لأسس النهضة، وكان حريا به الحديث عن اسس النهضة العربية في مصر على عهد ي محمد علي باشا، وابنه ابراهيم باشا، حيث جاء الغرب، والاتراك ، وقضايا عليها،، كما كان بوسع الكاتب أن يتحدث عن البدايات الاولية للثورة الصناعية في معامل النسيج، والعصير، والمنتجات الزراعية الزراعية في كل من مدينتي " حلب"، و"حيفا" في الشام وفلسطين،، كما كان بوسعه أن يذكر الأسس للنهضة الصناعية في تونس التي وضعها "خير الدين باشا"، وجاء الاحتلال الفرنسي وقوضها، وأخيرا، وليس آخرا، كان بوسع الكاتب أن يتحدث، وباسهاب عن سيطرة البحرية المغاربية لشواطئ المتوسط الجنوبية، ثم عن الثورة الزراعية في النصف الأول من القرن التاسع عشر في كل من المغرب والجزائر، وتونس، حيث كان احتلال الجزائر، لعجز الفرنسيين عن دفع الديون في استرادهم للقمح، وعدم قدرتهم على الاستغناء عنه...
كذلك كان في مقدوره أن يتحدث وباسهاب عن الثورات العربية منذ ثورة محمد عرابي ومحمود سامي البارودي والشيخ محمد عبده في مصر ١٨٨٢م، وكذلك حركات التحرر الوطني في الوطن العربي خلال القرنين التاسع عشر، والعشرين،،وهي كلها من أسس النهضة الاجتماعية، والسياسية، والفكرية، حسب معايير العصر في الفكر السياسي والاجتماعي المعاصرين..
أما الغريب، إلى حد "الاغتراب"، إن لم أقل مرادفه الأخر ،الأكثر وقعا، واقصد" الاستلاب الفكري"، في تحديده لبداية النهضة، بالاحتلال الفرنسي لمصر، وفلسطين، فهل احتلال امريكا للعراق في ٢٠٠٣م، يشكل بداية للنهضة، او سقوطا لها في العراق، وتداعياتها في الدائرة العربية ومجتمعاتها؟!
وهو تماما، كالذي حدث مع ما اسماه الكاتب " الحملة " الفرنسية على مصر وفلسطين في العام١٧٩٨م، ولعل الكاتب يستفيد من تقييم الحملة الاستعمارية التي أررخ بها- هو وغيره - للنهضة العربية القائمة على الاحتلال الفرنسي، والتآمر مع زعماء اليهود في فرنسا والغرب (( ... برز التفكير في الحملة الفرنسية على الشرق العربي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فقد كانت فرنسا من الدول الاستعمارية التي تطلعت إلى احتلال الشرق، وتوسيع امبراطوريتها. ومما شجعها على ذلك أن توماس كوبرت اليهودي الأيرلندي البارز قد أرسل رسالة إلى صديقه باراراس عضو حكومة الدكتوار “حكومة الإدارة” ينصح فيها الفرنسيين باستعمار الشرق، وخلق لليهود في فلسطين يكون ركيزة لفرنسا داخل هذا الوطن.
كان نابليون قائداً من أبرز قواد الثورة الفرنسية وأخطرهم، وقد لقيت الرسالة اهتماماً بالغاً عنده، عقد على أثره اجتماعا سريا بينه وبين يهود فرنسا، تمت فيه مساومة مكشوفة بين نابليون واليهود “ينفق اليهود على نابليون وحروبه، على أن يقتسم الطرفان المغانم، لنابليون السلطة والمجد، واليهود المادي وإنشاء إسرائيل”.
وحدد نابليون هدف الحملة أمام حكومة الإدارة الفرنسية بأمرين: الأول قطع طريق الهند على انجلترا وايجاد مستعمرة فرنسية على هذه الطريق. والثاني تحويل البحر المتوسط إلى بحيرة فرنسية))من " الموسوعة الفلسطينية"..
واذا كان هذا حال الحملة الاستعمارية و تحديد المؤرخين العرب لها، واختلافه مع ما ذهب اليه الأخ الهادي بن محمد المختار النحوي في تغييبه لأسس النهضة العربية، كما اختزلها في النقيض لها ، فيما اسماه المناطقة "التعريف بالسلب،" في الإشارة إلى حملة نابليون،، فماذا كان تصوره في طرح الاسئلية التي ذكرها في عنوان المقال؟
لقد كان اختياره لبعض الأسئلة التي أشار اليها، يحيل إلى قاعدة، كما صاغها المثل العربي في أن " كل إناء بالذي فيه ينضح"،، ذلك أن مرجعية الكاتب ، اوضحت إلى أي حد، هو سياسي، وليس باحثا في الفكر من أجل استعادة طرح اسئلة النهضة المتجددة،، فالذي ملأ ، و "سود" به صفحات مقاله الطويل عن النهضة، هو: التعبير الواضح بالسلب عن تحديد مفهوم النهضة، وبالتالي ولا يجدي في شيء طرح الأسئلة، وعدم الجواب عليها،،وانسداد الرؤية، والعجز عن تقديم توصيات للبحث.. الامر الذي يفرض طرح السؤال التالي:
هل كان الهادي في مقاله عن النهضة العربية، او النهضة الاسلامية،،؟
وذلك انه خلط بينهما خلطا دل على أن ليس لديه رؤية واضحة في تحديد مشروع النهضة العربية، ولا الاسلامية،، ولا ركز على مجتمعاتهما، وعوامل النهوض، ومظاهر العجز ،،، ولا مجالهما الجغرافي..ولعله اختزل النهضة الاسلامية في الاعتقاد المشترك في اسلام للمجتمعات، ولعله كان يعني بالاخيرة كل مسلمي العالم المعاصر، بما فيها مسلمو امريكا، ومسلمو الروس، والهند، والصين، ونجيريا، والسنغال من الطرقيين - وقد أشار اليهم في مقاله ب "الدردشة الدينية" - وربما استنكارا منه لاستحداثهم مكانا في بلادهم للحجيج السنوي الذي تجاوز أربعة ملايين حاجا قبيل الجائحة، وذلك الحجيج، هو للقيادة الدينية من المشيخات، وليس في السنغال مكانا لمقدسات المسلمين، كفلسطين، وبلاد الحجاز،،إنما بدأ استبدالهما بمدينة "طوبى" التي أعطي لها حديثا اسم " المدينة"، باعتبار وجود اشياخها، ومقارنة تقديسهم بتقديس المسلمين للمدينة المنورة نظرا لجود فيها روضته صلى الله عليه وسلم...
وفي طرح الاشكالات المشار اليها في العنوان، كان التركيز على اشكالين هما :
لماذا لا تنتهج الأمة طريق اليابان بعد الهزيمة؟، وكيف استطاعت " اسرائيل" الحصول على مفاعل نووي، بينما عجز العرب؟، واسجل على الكاتب عدم وضعه الاشارة الظفرية التي تفيد عدم الاعتراف بالكيان المحتل - وهنا يلاحظ في الإشكالية ان التحديد للعرب،، وليس للمسلمين عامة، وهذا يختلف عما بدأ به في طرح الأشكال عن "اسباب تخلف المسلمين، وتقدم غيرهم" كاشكال طرحه الراحل المرحوم "شكيب ارسلان"..
لكن الكاتب لم يناقش اساب العجز عن امتلاك العرب للسلاح النووي، لأنه سيرجعه إلى العوامل الخارجية، في الوقت الذي هو يريد ارجاع كل مصائب الأمة العربية للقادة القوميين، جمال عبد الناصر، وهواري بومدين،، وصدام حسين، ومعمر القذافي، الذين قاموا بالثورات الوطنية، والقومية ضد الاحتلالات...!
كما لم يذكر الكاتب دور السخاء الفرنسي في إعطاء المفاعل النووي للكيان الصهيوني،، وهو الأمر الذي يؤكد استمرار التحالف الفرنسي - الصهيوني منذ الامبراطورية النابليونية إلى غاية ١٩٦٢م، حين سلمت فرنسا مفاعل "ديمونة" للكيان المحتل...
إن الكاتب رجع إلى ما يشكل معتقده السياسي في أن القيادات القومية، هي " السبب الكافي" للهزائم، ولم يقدم بديلا للقرائه، وذلك في تناقض صارخ حين أشار إلى حرب٦٧، واحتلال العراق ٢٠٠٣م. دون أن يدرك انه أشار إلى تأثير العوامل الخارجية، كماةغاب الحديث عن الحركات الاسلاموية، واحلافهم من عملاء الغرب، ولم يتطرق للتخلف الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والثقافي التي فرضتها الدولة التركية تحت شعار"الخلافة الاسلامية"، ولا زالت هي ذاتها اهم العوامل الداخلية المعيقة للنهضة العربية بالاضافة الى الهيمنة الغربية..
ولا يتغافل عن تأثير هذه العوامل الا الكتاب من" فئات" الذين في الاعلام الهابط ، وسرقة الكتاب المأجوررين، ولم اقصد - طبعا - الإشارة او الإساءة إلى الزميل المحترم الأخ الهادي بن محمد المختار النحوي.
لكن الشيء بالشيء، كان - ولازال - ذلك الرهط من الكتاب يلوك الفاظ الدعاية التافهة للتشهير بالقادة القوميين، والعزف على ألحان التهم الصهيونية، والانجليزية والفرنسية المعادية للأمة العربية، وقادتها التاريخيين، وثوراتها العظيمة، كثورة يوليو في ١٩٥٢م، وقائدها جمال عبد الناصر...
ولسان حال الجميع ينعي على رحيل "فاروق"، الذي كان -في تقديرهم - سيحول دون هزيمة ٦٧، وأنه - في تصورينهم السخيفة - لولا حكم صدام حسين للعراق، لما احتل العراق في ٢٠٠٣، ولو بقي " الإدريسي في ليبيا أربعين سنة اخرى، لما احتل"النانو" وثواره، ليبيا، ولو، هرب" الرئيس بشار الأسد" لما اجمعت تركيا، ومشيخات الحروب الاهلية في الخليج العربي، مرتزقة المسلمين من الشيشان، والقوقاز، والصين،، لتدمير سورية، والعراق..؟!
وكان واضحا، أن الخبير الزراعي، والمصرفي، الاستاذ الهادي بن محمد المختار النحوي، كتب مقاله، قبيل ذكرى ثورة ٢٣ والعشرين من يوليو ١٩٥٢م، ليوجه، سهام نقده غير الموضوعي للقادة القوميين، لكن بأفكار بعض الكتاب، ولكن من هم؟
ويا للسخرية إنه ينقد القادة لهذه الأمة بأفكار عميل فرنسا وامريكا " ابراهيم غليون" ، وهو ليس مفكرا، وإنما رئيس عصابة حروب التدمير لسورية ..!
إن غليون، وغيره من الكتاب الليبراليين، و الكتاب الإسلام السياسي، كالمرحوم محمد الغزالي، وغيره ممن لا يهتمون بالنهضة، إلا من جهة محاربة الانظمة السياسية التي ، كانت تضع الأسس العملية لنهضة العرب في أواخر القرن الماضي،،
لكن السؤال الذي يثيره تتبع الأحداث الجارية، واحجام الأخ الهادي عن طرح اشكالاتها الراهنة غاضا الطرف عنها، حيث توقف عن الكلام غير المباح باحتلال العراق سنة ٢٠٠٣،، ولكن ماذا بعد ذلك خلال تسع عشرة سنة؟
فهل يستطيع كاتبنا المبجل بالاحترام والتقدير، أن يشرح لقرائه، مآلات النهضة العربية بعد القيادات القومية في عصر الانتفاضات الشعبية التي سرقها الاسلامويون، والصهاينة، وامريكا، وعملاؤها