إن الثقافة، التي تعاني بشدة من خور "النخبة" قد سقطت خلال العشرية المنصرمة في شباك "العصاباتية" التي وزعتها بإحكام بين أطر "تنظيمية" مبتكرة بعضها حمل عناوين مهرجانات هزيلة وجوائز مبتذلة وأدب مومس ومتدني، وبعضها الآخر عناوين مختلفة، كحماية التراث ونفض الغبار عن تاريخ الجهاد، والتي لا تقل في مساراتها ضعفا وطمعا. وتشترك جميع هذه الأطر الهزيل أغلبها في "الغرف" المحموم من الخزينة العامة عند كل نهاية عام أو بداية أخر جديد.
وإنه لهو ذاته المسار الذي سلكته "السياسية" الريعية خلال الموسم العشري الفارط. فلقد كان يتضح أكثر عند كل استحقاق أو أثناء أي مستجد أو حصول أي طارئ أن أغلب "الطبقة" السياسية في بلد "التناقضات الكبرى"، أنها لا تجيد تقدير ظرف ولا استشراف حلول، وأنها الأكثر اهتراء من كل "الرافعات" المنوط بها تحريك عجلة البناء والتحول، و الأشد هدرا لضئيل مجهود التقدم الذي يشارك في تحقيقه، على الرغم من كل الكوابح ومن الفساد المستشري، المخلصون في بناء الوحدة الوطنية والحفاظ على الوئام في مستوجب دعم "الحكامات" الرشيدة لتأدية واجب تسيير الدولة والحفاظ على مقدراتها وحمايتها من أيدي العابثين بإخلاص وتمكن وأمانة وعدالة.
وهي الطبقة السياسية التي سرعان ما يكشف تلاحق الأحداث عند كل منعرج زيفَ الممسكين بها والمتعاطين فيها على السواء مع - أو ضد- مراكز القوة من ناحية، وتعري امتهانهم الحرفي للتزلف لها ساعة عزها وسرعة التخلي عتها والغدر بها عند ضعفها بلا خجل أو تردد، من ناحية أخرى. يذكرون مساوئها التي كانوا يعلمون بالتفصيل ويغطون بالمدح والتبجيل وينسون أنفسهم الأمارة له بالسوء. لا أمان للوطن منهم قبلها لأنهم عديدو الأقنعة، متحولو القناعات، يبيعونها في كل مرة بأرخص الأثمان لإرضاء أهوائهم السقيمة والشاذة.
وإنه بقدر الاحتياج الملح بالضرورة المستعجلة إلى صرامة تنقية الثقافة "المنهارة" من باعة التظاهرات المكلفة دون مردودية، يحتاج كذلك الحقل السياسي وبدرجة أكبر إلى ترتيب الشأن وتخليصه بالاجتثاث من الجذور جميعَ منظري "وراء الستار"، الذين سرعان ما يهرعون إلى بر الأمان عندما تغرق السفن التي تحملهم.