استمعت لحديث الإعلامي المشاكس الحسن لبات عن خطاب الرئيسين السيد الشيخ الغزواني والسيد ماكي صال بمناسبة إطلاق أشغال جسر روصو، وهو إن وفق في إثارة النقاش حول الخطابة الرسمية وضرورات التجديد والتخلص من حراس البوابات، إلا أنه لم يوفق في تقديم تشخيص منهجي موجز ومفيد للمسألة.
ربما السيد لبات لم يطالع كتاب فن الخطابة لديل كارنيجي الذي يعد من أهم المراجع العلمية في الميدان وربما من المحتمل أيضا أنه لا علم له بهذا السفر القيم، ولذا كانت أفكاره متبعثرة وعامة وغير محددة.
من حسن الطالع أنني على صحبة مع هذا المرجع حين اكتشفته صدفة أثناء تجوالي في مكتبة أهلية صغيرة بسوق (ملكه اطليان) بكرو في أواخر ٢٠١٥. وهذا كتاب متوسط الحجم في حدود ١٧٦ صفحة ويمكن إيجازه بالقول إن كل شيء يعتمد على الأسلوب الذي يتحدث به الإنسان وليس على الموضوع بحد ذاته.
يقع كتاب فن الخطابة لديل كارنيجي في ١٢ فصلا ؛ لكن أرى أن ثلاثة منها فقط أساسية وهي الفصل السادس والسابع والثامن وعناوينهم تواليا سر الإلقاء الجيد، المنبر حضور وشخصية وكيف تفتتح خطابا، الفصول الأخرى مهمة كتنمية الشجاعة والثقة بالنفس وكيفية تحضير الخطاب وكيف حضّر مشاهير الخطباء خطبهم وكيف تثير اهتمام الجمهور وكيف تحسن أسلوبك، لكن طبعا دون الفصول الثلاثة المذكورة آنفا.
ما حام حوله السيد لبات ولم يهتد له هو مصطلح الإلقاء الجيد. يمكن أن تحضر أحسن خطاب ويمكن أن يحفك الكثير من كتاب الخطابات المهرة، لكن الإلقاء الجيد هو حجر الزاوية في كل هذا. يتحدث كارنيجي كثيرا في هذا الفصل ويقول إنه درب أخوين طيارين وبنفس المهارات، وحتى بنفس الخطابات تقريبا ، لكن بفضل دربة الإلقاء يخيل للسامع أن الاثنين مختلفين تماما ولكل منهما أسلوبه الخاص المنفرد وهو ما أثار لديهما الدهشة والاستغراب، لكن الانسان شيء غريب وفريد على حد تعبير السيد كارنيجي.
ويواصل كارنيجي بالقول إن هناك ثلاثة أشياء مهمة في الخطاب: من يلقيه؟ وكيف يلقيه؟ وما الذي يقوله؟ لكن أهم
هذه الصفات هي كيف يلقيه! الكلمات المرصوصة والمرصوفة وحدها لا تكفي، هناك شيئا إلى جانب النص يسميه الكاتب *النكهة التي يتم من خلالها الإلقاء.
والإلقاء الجيد لا يخلو من دعابة عفوية غير مصطنعة، ولا يجب على السيد الشيخ الغزواني أن يكتم هذا أو يتحاشاه. لكن روح الدعابة يجب أن تكون كقطع الشوكولاتة المتناثرة في الكعكعة كما يقول كارنيجي. كما على الخطيب أن يشدد على الكلمات المهمة وأن يخفض صوته في الكلمات العادية، وأن يغير طبقات الصوت تبعا لذلك، ومن الأساليب الجيدة التوقف قبل وبعد الأفكار المهمة.
وصف أحد المعلقين خطاب نفتالي بنيت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه خطاب بلا طعم ولا حضور، وذلك لأن رئيس الوزراء لم يحرك يده إلا مرة واحدة، لم يكن جسمه يواكب عقله أثناء خطابه. القادة العظام يحركون أيديهم وأصابعهم ورؤوسهم ويضربون المنبر في حركة مجاراة قوية للأفكار التي يتحدثون عنها وحتى يصمتون للحظات إن كان الموقف يتطلب ذلك لزيادة الترقب والتشويق. وقال المعلق كيف يمكن لرئيس وزراء أن يتكلم عن خطر برنامج إيران النووي في الجمعية العامة، ولا يضرب على المنبر والطاولة للتأكيد على فداحة الأمر وكارثيته.
العنصر الثالث بعد الإلقاء الجيد والحضور القوي على المنبر هو الافتتاح الجيد. يقول كارنيجي إنه سأل أحد الخطباء عن هذا فقال له: أن تفتتح بمقدمة مثيرة وبشيء يأسر الانتباه في الحال. ويحذّر من ما يسمى قصة مرحة وهو أن بعض الخطاب يرى لزاما عليه أن يفتتح بما يضحك الجمهور، وهذا لا حاجة له، وفيه تعسف وتكلف بحسب كارنيجي. كما ينصح بتجنب الاعتذار في المستهل، ويقول إن كنت تعتذر عن إلقاء خطاب أو أنك لم تحضر له فلم تلقيه إذا. ويدعو الخطباء في المفتتح إلى إثارة فضول المستمعين بكلمات قوية ومثيرة، فهذا يشدهم ويرفع من اهتمامهم واستعدادهم لسماع الخطاب كاملا.
الخطابة فن جميل وهي كالرسم تبدأ بالانتباه للأجزاء الصغيرة يقول كارنيجي إن الرسام الروسي العظيم ،بيرلوف، صحّح لتلميذه رسما، فتطلع إليه بدهشة وقال : لم تلامس إلا جزءً صغيرًا، ومع ذلك أصبح الرسم شيئا آخر. أجاب الرسام بيرلوف: يبدأ الفن حيث يبدأ الجزء الصغير.
———
سيد أحمد أعمر محّم