هل سيجتمع القوم كما كنا نجتمع كلما انطلقت أيام تفكيرية، أو تشاورية، أو منتديات عامة، أو ملتقيات حول وسائل التسيير؟؟
فنتعانق، ويحتضن بعضنا بعضا دقائق نذرف فيها دموع أسانا على أيام أنس وتحصيل وزمالة لم تعد شيئا مذكور؟؟
هل سيحرصون على الحضور كما كنا نفعل في اليوم الأول لتسجيل أسمائهم، واستلام قلم ودفتر وحاملة أوراق رخيصة؟؟ثم يعقدون اجتماعات جانبية يقتلون فيها الوقت بأحاديث الفضول، ثم يغيبون في المدينة، لتسوية مشاكلهم العالقة من متأخرات، وزيارة بعض الأهل والمعارف؟؟؟
هل سيودعون بعضهم كما كنا نودع بعضنا حتى يوم تقسيم التعويضات المادية فنعود بغيبة الذين انضبطوا وصدقوا كذبة الأيام، ثم يرحلون ساخرين من كل شيء...
الحديث عن التعليم وإصلاحه حديث معاد لا شك في ذلك، ممجوج لا جديد فيه، كلما تقدم المنظرون في الطرح والاستجلاء اصطدموا بمعيقات غير منتظرة ...اقرأ - إن اهتديت – شواهد مقبرة المنتديات والأيام التشاورية والتفكيرية حول التعليم وإصلاحه التي لم يفرج عن جثامينها بعد ...
لعل قضية اللغة، لغةً، و لغةَ تدريس من أبرز التحديات التي واكبت نظامنا التعليمي في أطوار النشأة حتى دفعت الحكومات إلى ما سمته إصلاحات ...إصلاحات غير موفقة لأن الحالة السياسية فيها طغت على الحاجة التربوية....
يقع جزء من المسؤولية عن جعل قضية اللغة العربية مشكلا و عائقا دون الانسجام علينا نحن أساتذة اللغة العربية، ومعلميها، دون تعميم، كيف ولماذا؟ يحول المعلم منا إلى الضفة ويستقبل أطفالا صغارا في السنة الأولى ابتدائية، جاؤوا من مدارسهم القرآنية، يعرفون الحروف، وسورة الفاتحة وبعض سور سبح كما يعرفها إخوتهم في المناطق الأخرى، لكن معلم اللغة العربية يتخيل من أول يوم أنه المتنبي في شعب بوان، غريب الوجه واليد واللسان ، يحضر يوما أو بعض يوم ويغيب شهرا، وفي آخر السنة يرجع بما يزعم أنه حقيبة شعر يصف فيها معاناته وغربته....فينتقل الأطفال المظلومون من قسم إلى قسم، ويزدادون جهلا باللغة العربية، فتنغرس فيهم كراهيتها وكراهية الناطقين بها انتقاما لأنفسهم من الإهمال الذي كانوا ضحيته...
وإذا وصلوا إلى الإعدادية ارتفع الضارب وارتفع ضارب النقمة والشعور بالظلم....
أنا درست ما كان يسمى الأقسام المزدوجة، وكان بعض الزملاء يطلب تدريس هذه الأقسام لأنه يراها راحة، لا هو يحضر ولا يبذل جهدا، وهم فيه أكثر زهدا و له أشد احتقارا....
حاولت أن أقنع تلاميذي أني جاد في تعليمهم، وأن مصلحتهم تفرض عليهم أن يساعدوني بالاهتمام والحضور مع جرعات من العقاب عند الحاجة والصرامة حتى اقتنعوا أن الأمر جد، وفوجئت يوما بأحد التلاميذ (زنجي) يسألني: هل صحيح أن طه حسين أنكر وجود الشعر الجاهلي؟
يحيرنا أحيانا جد أساتذة اللغة الفرنسية في تدريسها لكل الأقسام مهما كانت الشعبة ومهما كان المستوى، حتى أننا حين نراهم يعالجون تلاميذ الشعبة العربية بالجد والمواظبة نقول يا عجبا من جد هؤلاء في باطلهم وفشلنا في حقنا...
نظام الشعبتين كان جريمة قاسية في حق الوطن ووحدته، فكيف يتعايش نظامان تربويان في دولة واحدة بل في مؤسسة واحدة حكم على بعضها بالاختيار الغلط..
النكبة التربوية الأخيرة، أو فرية إصلاح 1999 كانت أخطر، لأنها لم تحضر، وارتجلت بسرعة و تعمد القائمون عليها إبعاد اللغة العربية عن المواد العلمية التي تستقطب أغلبية الدارسين ....فشل هذا الإجراء حتى في حصول التلاميذ على مستوى لغوي مقبول....أذكر أن تلميذتين من ثانوية بوكى تدرسان في السابع الرياضي-وهو في العادة نخبة الفصول- دخلتا علي في مهمة، ولم تستطيعا الإبانة عنها باللغة الفرنسية، فاضطررت إلى استدعاء مدير دروس تكلم معهما بالبولارية ليبلغني رغبتهما في التحويل إلى ثانوية كيهيدي...
إجراء 1999 ساوى بين مادتي الأدب العربي والفرنسي في الضارب، و أقر تدريس الفلسفة-وهي مادة رئيسية في الشعبة الأدبية- أقر تدريسها باللغة العربية و كذلك التاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية، فكيف يستطيع تلميذ في قسم الأدب من ولايات الضفة أن ينجح وهو في الغالب لا يجيد كتابة سطر صحيح باللغة العربية، كيف يستطيع تحليل نص أدبي عربي، أو نقاش مقالة فلسفية بالعربية، أو الحديث عن التاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية وكلها باللغة العربية...؟؟؟؟ وكيف لزميله في الولايات الشمالية وهو لا يستطيع غالبا كتابة جملة عربية صحيحة الإعراب، ولا يستطيع كتابة اسمه صحيحا باللغة الفرنسية، كيف يستطيع أن يتجاوز عقبة الأدب الفرنسي ؟؟؟ نجاح هؤلاء مستغرب جدا، وهم ينجحون! يا عجبا كيف ينجحون؟؟؟...
هذا الخطر أظهر هنات نلاحظها في بعض خريجي هذا الإصلاح- أقول بعض، ولا أعمم- معلمين وأساتذة، ترغم بعضَهم صعوبةُ التوصيل بما يفترض أنها لغة تكوينه، إلى اللجوء إلى اللهجات، وهو أمر في غاية الخطورة، ومحرم في التشريع المدرسي، ومن عالج بلغة تكوينه أسمعك من تكسيرها والعبث بقواعدها ما لا يخطر ببال...ناهيك عن عجز البعض عن كتابة تقرير، أو طلب من سطور قليلة بلغة سليمة، عربية أو فرنسية، لا ينجو من هذا إلا المجدون الذين اشتغلوا بتكوين أنفسهم، وتسلحوا بوسائلهم الخاصة لدخول ميدان التدريس بما يلزم من معارف، ومهارات تربوية...
هم أيضا معذورون لأنهم من ضحايا نكبة 1999، وفاقد الشيء لا يعطيه...
آراء في وسائل الإصلاح...
لن أكرر ما لاكته ألسنة الناس من مطالب لأنها مسطورة في بيانات النقابات والآباء وفي تقارير المسيرين، سأكتفي بسبع نقاط فقط :
- 1 - تسمية وزير للتهذيب لا ينتمي إلى حزب سياسي، ولا يفتتح خطاباته بلازمة(بتعليمات من رئيس الجمهوربة)، ولا إلى طائفة قبلية محلية، يمنح مأمورية محددة يكون فيها آمنا من العزل أو الإزاحة إلى قطاع آخر، و تقويته بحصانة عن مضايقة المتنفذين أيا كانت صفاتهم ومواقعهم...
- 2 - أن يسجل رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة والضباط السامون والولاة والحكام أطفالهم في المؤسسات العمومية حتى لا تبقى دورا لرعاية المستضعفين من البؤساء، والمعوزين، مع ما سيجلبه ذلك من مزايا رقابية وجدية وعناية فائقة لهذه المؤسسات...
- 3 - أن يحرم على الموريتانيين تسجيل أطفالهم في المدارس الأجنبية التي لا تلتزم بالبرامج التعليمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، فمع أنه إقرار بفشل نظامنا التربوي فتلاميذ هذه المؤسسات لا يعرفون شيئا عن موريتانيا تاريخا وحضارة...
- 4 - القضاء على مدارس الامتياز لأنها تعني صرف الاهتمام عن المدارس العمومية، ينبغي أن يبقى المتميزون بين زملائهم، ويكون التنافس مفتوحا كما كان أمام جميع التلاميذ، مدارس الامتياز تحولت إلى وسيلة إقناع من لا يلجونها أنهم مهملون، وبعضها يستنزف من الموارد المالية ما لا يتماشى وحجم عطائه..
- 5 - استدعاء الأساتذة والمعلمين المفرغين باختلاق وظائف وهمية، والمتراكمين في الإدارات، إلى الفصول للقضاء على استنزاف وسائل الدولة بتعاقد غير مبرر إذا أحسن تسيير هذه الوسائل البشرية السائبة في أودية خارجة على القانون يمارسون التجارة في بقالاتهم أو نقاطهم الساخنة أو محلات أخرى داخل البلد وخارجه، يستلمون رواتبهم كما يستلمها زملاؤهم المواظبون على عملهم، الجادون في أداء رسالتهم في ظروف تكون أحيانا قاسية...واستدعاء أساتذة المواد العلمية باللغة العربية المقصيين بنكبة 1999 بحكم لغة عملهم، والمدرسين الآن في مؤسسات التعليم الحر وبذلك يجمعون بين راتبين....
• مدارس التعليم الخصوصي انتشرت كالصيدليات والمخابز ومشاريع بيع اللبن، وهي مضرة بصحة المدرسة الجمهورية لافتقار كثير منها إلى المقومات الأساسية، وتحولها إلى مؤسسات ربحية..
• لا بد من تجريف شامل لتربة وزارة التعليم، وشفط المستنقعات الآسنة التي يعشعش فيها الظلم، الرشوة والفساد ...
-6-إعداد برامج جديدة، متطورة مواكبة للحياة العصرية ذات بعد استشرافي حتى لا تضيع الموارد في تجديد طباعة الكتب وإلغاء الكتب السابقة..
-7- لا بد من تحسين فوري ملموس لوضعية المدرس المادية حتى يجد في عمله الرسمي ما يكفيه عن طلب المزيد لتوفير أساسيات حياته اليومية، بذلك وحده نأخذه بالصرامة ونطالبه بالعطاء المستمر..