ثالثا: حول تهافت وشطط وفساد القرار ومخالفته لدستور وقوانين الجمهورية
ونخلص الآن في حديثنا إلى تهافت وشطط وفساد قرار فريق التحقيق وضع الرئيس محمد ولد عبد العزيز تحت الإقامة الجبرية الموصوف تارة بـ"المراقبة القضائية المشددة" وبـ"طلب النيابة الأصلي في طلباتها الافتتاحية" تارة أخرى!
ونبدأ أولا بالشكل:
1. جاء القرار في ثلاث صفحات. وهو كجميع قرارات وأوامر فريق التحقيق في الملف رقم النيابة 01/2021 تخصص صفحة ونصف صفحة منه لسرد سيل التهم الباطلة الموجهة إلى المتهم، وإلى الرئيس خصوصا. وذلك لسببين:
أولهما عام؛ وهو المساهمة، قدر الإمكان، في مجهود ترويج ونشر وإنعاش حملة التشويه والاستهداف الممنهج التي تخوضها الدولة - ممثلة في إدارة الأمن والنيابة العامة- ضد الرئيس وبعض وزراء العشرية، عن طريق نشر وتعميم تلك التهم الباطلة عبر إصدارات فريق التحقيق دعما ورفدا لمجهود إعلامهما وذبابهما الإلكتروني، على غرار ما يفعله موقع كريدم (cridem) الذي يتمادى في نشر وإعادة لائحة التهم كل يومين رغم التوبيخ الذي وجهته إليه سلطة تنظيم السمعيات البصرية بسبب الانحياز وعدم المهنية!
أما الثاني فخاص و"تربوي" هدفه تعزيز قناعة القضاة وأعوانهم، عن طريق الزق (لبلوح) والتكرار، بصحة الدعوى العمومية المنشورة أمامهم. إذ إن جميع الإخفاقات والأخطاء والتناقضات الملاحظة في تسيير ذلك الملف، والحيف فيه، مردها عدم الاقتناع؛ وهو ما جاء هذا العمل الدعائي المكثف لتطويقه. وإن كان هذا النوع من الدعاية الفجة قلما أقنع أحدا رغم ما يضيع فيه من جهد ومال!
2. ينتشر على الصفحة الأولى من الأمر وغيره بالخط العريض اسم منسق فريق الدفاع! وكان الهدف من الإجراء في البداية التشهير بذلك المحامي المشاغب الذي ينسق فريق دفاع عن "مجرم خطير" وجهت إليه 8 تهم! وربما كانت حكاية التفتيش الضريبي نابعة من ذلك التشهير! أما الآن، وقد انقلبت الموازين في هذه القضية، أو كادت، فإنه لم يبق من سبب لذلك التحريض الذي اعترضنا عليه ونددنا به أمام الفريق دون جدوى، سوى حجب بعض الكلمات عن الدفاع، وجعل قراءتها مستحيلة.
3. صدر القرار باسم قاض فرد ذكر اسمه في ديباجته، بينما ذكر في آخر حيثياته صدوره عن مداولة فريق تحقيق لم يرد اسم - ولا توقيع- أي فرد منه فيه!
4. أما الأخطاء الشكلية، فحدث ولا حرج!
وثانيا، من حيث الأصل:
حيث إن القضاء المعلل والمسبب تطمئن له النفوس؛ ولذلك نصت جميع الشرائع والقوانين على وجوب تعليل أو تسبيب قضاء القاضي. فقال الشيخ خليل: "وبين السبب" وقالت المادة 81 من قانون الإجراءات المدنية (وهو الأصل) "يجب أن يكون مسببا" أي الحكم أو القرار! و"تكون مقتضياته مسببة" كما نصت على ذلك المادة 335 من قانون الإجراءات الجنائية، و"يجب أن يشتمل كل حكم على أسباب ومنطوق. وتكون الأسباب أساس الحكم" حسب نص المادة 445 من نفس القانون. ورتبت المادة 545 منه أيضا جزاء النقض على "انعدام أو قصور الأسباب"!
فالسبب يظهر مدى حياد القاضي، ويحمله وجوبه على البحث، وتمحيص رأيه، وصياغة مقدمات تؤسس عقلا ومنطقا لما ذهب إليه من قضاء. وبذلك يضمن عدم صدور حكمه متأثرا بعاطفة عارضة أو شعور وقتي. ويجب اشتمال الحكم - أو القرار- على الأسباب التي بني عليها. وأن يكون تسبيبه سليما وواضحا وكافيا ومقنعا لمن تأمله وتأمل الحكم الصادر بناء عليه. فهو يوفر ثلاثة مقاصد، هي حماية القاضي، وحماية المتقاضي، وتمكين جهة النقض من ممارسة حقها في الرقابة. وبانعدام - أو قصور- التسبيب تزول شرعية العمل القضائي. "فلا يعتبر عملا قضائيا" حسب التعبير المأثور لعميدنا الأستاذ الطالب خيار محمد مولود!
فهل كان قرار فريق التحقيق ذو الرقم 046/ 2021 مسببا، وما هي الأسباب التي حمل في طياته؟ ذلك ما سنراه الآن.
لقد أسس هذا القرار على ثلاثة أسباب هي:
1. "أن المتهم محمد ولد عبد العزيز باستجوابه أمامنا بتاريخ 11 مايو 2021 تمسك برفض الإجابة على أسئلة القضاة، المشكلين لقطبي التحقيق والنيابة العامة المكلفين بمكافحة الفساد. معيقا بذلك سير العدالة والتحقيق، ومخالفا مقتضيات الفقرة 3 من المادة 18 من قانون الفساد التي تنص على أنه تعتبر إعاقة لسير العدالة كل من رفض عمدا ودون تبرير تزويد سلطات الرقابة والبحث والمتابعة والتحقيق بالوثائق والمعلومات المطلوبة".
2. "أن المادة 123 من ق إ ج في الفقرة 4 نصت على ما يلي: يمكن لقاضي التحقيق تغيير التدابير المتخذة، أو إضافة تدبير آخر أو أكثر، تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة، أو المتهم أو محاميه بعد أخذ رأي النيابة العامة.
3. "أخذ رأي النيابة العامة في جلسة الاستجواب بتاريخ 11 مايو 2021 التي تبين فيه النيابة العامة تتمسك بطلب المراقبة القضائية المشددة على المتهم محمد ولد عبد العزيز انسجاما مع طلبتها (هكذا ورد) الأصلية في طلباتها الافتتاحية"!
فما مدى صحة هذه الأسباب؟
ذلك ما سنتعرض له بفحصها الواحد تلو الآخر بإذن الله!
يتبع