لابد أن كثيراً من مراقبي ومتابعي الشأن الوطني العام لفتت نظرَهم حدّةُ الخطاب الجديد داخل الموالاة، ومن بعض أطرافها التي لم يُعرف عنها في السابق توجيهَ أيَّ نقد لأصغر مسؤول يعيّنه رئيس الجمهورية ويصطفيه ضمن طاقمه، لكنهم الآن ينتقدون الوزير الأول بحماس واندفاع ملحوظين؛ مرةً بالقول إنه سلّم المنطقة الحرة في نواذيبو للإفلاس والخراب والفشل، ومرة أخرى بالقول إنه «تلثم على أموال الطينطان وانصرف»، ومرة ثالثة (وهي الأحدث) بقولهم إنه أنجح سبعةً من أفراد أسرته (بينهم نجله) في مسابقة المدرسة الوطنية للإدارة.
فهل يعني توجيه فوهات مدفعية الاتهام بهذا الحجم وهذه الحدة، ومن داخل الموالاة إلى مَن يفترض أنه رئيس حكومتها، تحولا ديمقراطياً جديداً داخل هذه الموالاة باتجاه تكريس حرية الرأي وترسيخ فلسفة النقد الذاتي الجريء بحق الموظفين العموميين والخطط والسياسات العامة، وصولا إلى محاكمة الماضي القريب للسلطة وحزبها ذاته؟
أم أن الاتهامات المذكورة بحق الوزير الأول تشير إلى تصدعات خطيرة في جدار الموالاة، تترجم مدى افتقار «الأغلبية» للاندماج الوطني والالتزام الحزبي، جراء سيطرة النزعات الفئوية (القبلية والجهوية) على ذهنية كثير من الأطراف داخلها؟
أم أن الأمر يتعلق بحالة جديدة وغير مألوفة من الجرأة والتجاسر على الرئيس وعلى خياراته، من جانب موالاة لم تعتد في السابق أن تنبس ببنت شفة في حضور الرئيس ولد عبدالعزيز وقبله الرئيس معاوية ولد الطايع، لكنها وجدت في نفسها شجاعة رفع الصوت أمام الرئيس الحالي؟
أياً كان الأمر وراء الاتهامات الموجهة من بعض الأجنحة داخل الأغلبية بحق الوزير الأول، خاصة فيما يتصل بنتائج المسابقة الأخيرة، فهي اتهامات تشير إلى أمرين أساسيين:
1- وجود حالة عامة، عميقة وغير مسبوقة، من انعدام الثقة في المؤسسات العمومية وقراراتها ومخرجات عملها، حيث أصبح الشك والاشتباه في كل ما تفعله وما تقوم به هو القاعدة والأصل في نظرة الرأي العام إليها.
2- وجود حالة من التردي غير المسبوق أصابت وتصيب النقاش العام، وقد بدأت تنزل به إلى ما تحت الحضيض، إذ انتقل اهتمامه من القضايا الوطنية واختلاف الآراء وتباين المواقف حولها، إلى ما يشبه حروب البسوس والفجار وداحس والغبراء.. الإلكترونية الجديدة، حيث نجد أفراد النخبة المتعلمة يتفاخرون علناً بالأصول والأعراق والعوائل والآباء والأجداد، ويتنابزون بالاتهامات القبلية والجهوية الصريحة والمباشرة، دون كناية ولا حياء ولا خجل!
فهل يكشف قادم الأيام لمراقبي ومتابعي الشأن الوطني أن الفرعان الغطفانيان الجاهليان (عبس وذبيان)، كانا أكثر مدنيةً وتحضراً من بطون الموالاة، وقبائلها وعوائلها، في القرن الحادي والعشرين؟!