
الواقع الذي يعيشه الإنسان الموريتاني، واقع يزداد تعقيده كلَّ حين؛ وتقوى فيه أسباب الاختلال، وتختفي مظاهر التوازن والانسجام؛ ويضعف الإحساس بهموم الحياة؛ وتقْصُر خطوات الإصلاح؛وتتراجع جهود التغيير.
وبانقضاء العشرية المنصرمة، التي ناءت بعِبْئِها الماحق المُبدِّد في حاضر موريتانيا، والمُخيِّب رجاءَ الضعفاء والمحرومين في مستقبلها ـاستبشر الشعب، بأن أضرار الفساد، وتهديد الوحدة الوطنية، وتعميق الفروق والإخلال بالسلم الاجتماعي؛ بسياسة الغبن، وغياب المساواة، وترسيخ الجهل والتخلف،وتعطيل العدالة، في كل مناحي الحياة ـ سيوضع لها حدٌّ.
وكان المواطن البسيط مُدرِكا شناعة التصرفات التي دأبعليها جميع، أو جل من تولَّوا مسؤولية، أو أُسْنِد إليهم جانبٌ من تسيير المرحلة؛ لأنمظاهر الفساد وآثاره، بادية للعيان، حيثما كان للإدارة، أو للمرافق العمومية، أو لنشاط مؤسسي وجود.
وتَشَكَّل رأي عامّ، وانعقد إجماع، لا سابق لمثلهما في تاريخ موريتانيا المعاصر؛ على أن ما شهدته البلاد في تلك السنين العجاف، من تبديد للثروات، واستنزاف للمقدرات في غير المصلحة الوطنية، وتعطيل مشاريع التنمية الخجولة، وإعاقة المسار الديمقراطي ـ تستوجب معرفة كل التفاصيل والملابسات، وتحديدكلِّ من له دور أو مسؤولية من قريب أو بعيد؛ بدءا بالتقصير وسوء التسيير، إلى التخطيط والتحكم، والنهب والاستنزاف؛كما يجب إصلاح ماآلت إليه الأوضاع من مخلفات العشرية،وعلاج آثارها الاجتماعية والسياسية السيئة؛
وانتاب الموريتانيين قلق وخيبة أمل، لمّا أحسّوا بُطْأً في التصدي للعبث بهيبة الدولة، واستباحة المال العمومي، واستنزافه في مصالح الأفراد، والنزوات الشخصية؛ وهو ما حدا نواب الشعب؛ إلى استشعار مسؤوليتهم، منطلقين من حقهم الدستوري، وواجبهم في المراقبة؛ فأعدّوا ما يتطلبه الأمر، من دراسة، وتحرٍّ، وترتيبات إجراء التحقيق الموضوعي الشامل.
واكتمل التحقيق البرلماني وافيا في بياناته ومعتمداته ووثائقه؛ وبدأت شرطة الجرائم الاقتصادية معاينة الملف؛ وأخذ منها التحقيق الوقت الكافي؛ وأحيل إلى العدالة؛ فاكتملت المراحل اللازمة؛ وأعلنت السلطة التنفيذية حرصها على عدم التدخل في سير التحقيق القضائي، أو طبيعة الأحكام.
وبتلاحق هذه المراحل استبشر المواطنون، وظنوا خيرا بسير شفاف للتحقيق؛ وقوي أمل الرأي العام في أن تأخذ العدالة مجراها؛ ويمارس القضاء دوره؛ بعيدا عن الإكراهات، وبلا عناء أو حرج؛ وبتنا جميعا نترقب صدور أحكامتعيد للدولة هيبتَها، وتستعيد ثروة الشعب المنهوبة؛ويلقى بها كلُّ مجرم جزاءه المستحَقَّ.
ونحن في التحالف الشعبي التقدمي ـ مثلما هي حال الرأي العام والقوى الوطنية عموما ـ إذ نُنوِّه بسابقة المساءلة بخطواتها اللازمة، في تسيير الممتلكات العامة، واستغلال النفوذ والتحكم في الصفقات العمومية، ونهب المخصصات التسييرية للمؤسسات العمومية؛ ونعلن ارتياحنا لهذا النهج الذي ينبغي أن يكون مقدمة أولى لتوجيه قدرات البلد نحو تنمية شاملة، تستجيب لحاجات الشعب، وتعمل على تكافؤ الفرص وتحقيق المساواة بين كل المواطنين؛ فإننا:
ـ نرى غير مفهوم التمييز بين مُتَّهمِين شاركوا في تسيير المرحلة؛ وتولَّوا مسؤوليات، وأداروا ملفات؛ ووجهت إليهم تُهَم مُماثِلة؛ فيُبرَّأ بعْضٌ، ويُخْلَى سبيلُه، وتُؤكَّد تهمة بعض، ويبقى طليقا يمارس نشاطه وثيق الصلة بالتهمة؛ بينما أصحاب التهم ـ ممّن لا وساطة له من الضعفاء ـ يتعرضون للتوقيف الاحترازي، وجرائمهم لا يلحق ضررها هيبة الدولة، ولا حرمة المال العام؛
ـ ونعبر عن قلقنا مما يُروَّج له، ويتداول في بعض الأوساط ذات التأثير، من أن المهم هو أن يتعاون المتهم مع القضاء بأسلوب الدفع، أو التعويض المادي؛ بتجاهل الحق العام وخيانة الأمانة، وهيبة الدولة، وحرمة المال العام؛
ـ كما نسجل عدم ارتياحنا للازدواجية الصارخة في التعاطي مع ملفات الاحتيال والجرائم الاقتصادية؛
فقد أودع المتهمون في قضيتي البنك المركزي، والبنك الجديد لموريتانيا (NBM) السجن؛ لأنهم ضعفاء؛ بلا نفوذ، ومبددو المال العامّ طلقاء لزبونيتهم وعلاقاتهم السياسية وجيوبهم الممتلئة.
انواكشوط، 23مارس2021
المكتب التنفيذي