يبدو ان الحرب التحريرية الثانية التي اندلعت منذ ما يزيد على شهر في الصحراء الغربية -بعد انتهاك المغرب لوقف اطلاق النار الموقع قبل تسع وعشرين سنة بين المغرب والصحراويين تحت اشراف الامم المتحدة- كانت شديدة الوقع على المغرب حيث دفعت به في صفقة شديدة الغرابة الى الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب مقابل تغريدة من الرئيس الامريكي المنتهية ولايته يعترف له بالسيادة على الصحراء الغربية.
ورغم الاوجه الكثيرة لغرابة هذه الصفقة التي اثارت كثيرا من الحبر منذ الاعلان عنها ،إلا ان اشد أوجهها غرابة هي طريقة الاخراج التي اخرجتها بها الدولة المغربية من خلال بيان ملكي يقول ان الخطوة حدثت خلال اتصال ملكي مع اترامب وانه قبل ذلك او بعده حسب الروايات تم الاتصال بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ...
ثم يخرج وزير الخارجية ليقول ان الصفقة كانت نتاج اكثر من سنتين من العمل ...
في حين ان تغريدة اترامب التي يمكن ان تعتبر اشهر تغريدة في هذا العام لغرابتها تقول انه "من المناسب ان تعترف ...ثم ياتي ليقول وجهة نظره في حل المشكل وكأنه تنبه الى ان ما قدم لهم لن يحل المشكل نهائيا .
ولا زلنا في الاخراج دائما الذي كلف محللي المنصوري الذين ظهروا تباعا على القنوات كلفهم الكثير من الجهد في الدفاع عن هذا الموقف الغريب نعترف لكم بالسيادة على القدس ونتنازل عن كل حقوق الشعب الفلسطيني بمافيها الحدود والاستيطان والعودة ونبارك السيطرة الكاملة على القدس ووو مقابل ان تعترفوا لنا بالسيادة على الصحراء الغربية ومن اغرب ما في هذه الصفقة ان ما قدمه المغرب هو شيئ يملكه نظريا على الاقل بوصفه "رئيسا للجنة القدس" وكان من " الممانعين " حيث صرح وزيره الاول من شهر تقريبا ان التطبيع خط احمر ولكن ما قدمه الرئيس الامريكي المنتهية ولايته هو الوهم فقط وهو يخالف تماما الاتفاق الذي تستضيف بموجبه الولايات المتحدة مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، وقد اظهرت التصريحات التي صدرت بعد ذلك انه لا قيمة له سواء من الحزب الجمهوري او الديمقراطي كما اكدت الامم المتحدة انه لا يغير شيئا في قضية الصحراء الغربية.
تعيش الصحراء الغربية منذو شهر على وقع الحرب الشرسة وتحت وقع الاقصاف اليومية التي غيرت الكثير من الامور في حياة سكان المناطق المحتلة من الصحراء الغربية وبالرغم ان المغرب مازال يتكتم على خسائره الكبيرة في الارواح والعتاد إلا ان هرولته للارتماء في احضان اليهود بهذا الشكل وحدها كافية لادراك مدى ما يصيبه من هزائم ، كما ان الاحتفالات الكبيرة المتواصلة بما يعتبره النظام المغربي انجازا وكان الاولى به ان يتستر عليه لشناعته هي كذلك دليل على مدى هزيمته في الميدان.
إن ما اعلنه ترامب من دعم احتلال مغربي لاحتلال اسرائيلي في صفقة رفضتها حتى الصحافة الإسرائيلية هو اسلوب مشهور من اساليب الاحتلال في البحث عن الشرعية من الخارج حيث يتسابق الاحتلالان لفتح السفارات والقنصليات في الاراضي المحتلة بالترغيب والترهيب ربما تكون اسرائيل اكثر حكامة من المغرب الذي يفتح قنصليات لدول ليست لديها سفارات في الرباط في مسرحية عبثية مثيرة للشفقة فبمجرد اخذ الصور تغلق البناية وينتهي كل شيئ .
سياسة الاحتلال هي التوسع الدائم والضم بالقوة فلا تعرف حتى الآن حدود رسمية للمغرب الذي تغيرت خريطته منذ استقلاله عن الحماية الفرنسية سنة 1956 اكثر من خمس مرات ،اما اسرائيل فسياسة الضم والتوطين يوميا متواصلة على انغام التطبيع العربي ...
إن هذا التوسع الذي يقوم به المغرب في المنطقة ويتصدى له اليوم الشعب الصحراوي بكل شجاعة وعزم لهو الذي تقوم به اسرائيل في المشرق ويتصدى له الشعب الفلسطيني بكل شجاعة وعزم وهذا ما يعطي قوة كبيرة للشعبين الصحراوي والفلسطيني من اجل مواصلة النضال والكفاح من اجل احقاق الحق ،وكبح جماح النوايا التوسعية في المشرق والمغرب العربيين .
لقد كان الغرب دائما داعما لقوى الاحتلال التي تنفذ له اجندته ولكن ذلك الدعم لم يكن يوما ليقف امام عزم المجاهدين الاحرار الصادقين الذين وعدهم الله تبارك وتعالى احدى الحسنيين .