
أعلن سفير المملكة العربية السعودية في موريتانيا، صاحب السعادة الاستاذ عبد العزيز بن عبد الله الرقابي، أن المعهد السعودي في موريتانيا، الذي أغلق في العام 2003 في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع سيعاد افتتاحه قريبا، وذلك في "إطار تعزيز التعاون التعليمي والثقافي بين البلدين".
وقال السفير الرقابي في كلمته خلال حفل إفطار نظمته رابطة خريجي المعهد السعودي في موريتانيا إن هناك بعض الإجراءات المتبقية بين البلدين التي يتم انتظارها لاستكمال عملية إعادة الافتتاح.
وأضاف الرقابي أن السعودية ملتزمة بدعم التعليم الإسلامي الوسطي في موريتانيا، مشدداً على أهمية مواصلة الجهود لتطوير العلاقات التعليمية والثقافية بين البلدين.
إن عودة المعهد السعودي تؤكد على متانة العلاقة السياسية والثقافية بين البلدين الشقيقين
والأصل الترحيب بأي خطوة تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي.
لكن الحكمة والتخطيط الصحيح وبعد النظر تقتضي كلها دراسة الموضوع بشكل عميق لتحقيق أكبر استفادة من هذه الخطوة وتلافي ما قد يصاحبها من معضلات ومشاكل وما قد تؤدي إليه ،لا سمح اللـه ،من أضرار جانبية وانحرافات ،غير مقصودة ، عن الأهداف الأصلية.
ويمكن ان تركز الدراسة على العناصر التالية :
- تقييم تجربة المعهد السابقة في موريتانيا بشكل موضوعي ومتجرد وقد يشمل ذلك تتبع أحوال الخريجين وهل فيهم من انضم فعلا إلى ما يعرف اليوم ب "الإرهاب" .
- مدى الحاجة الفعلية لفتح المعهد في إطار المنظومة التعليمية في البلاد
- ما هي القيمة المضافة المتوقعة من إعادة فتح المعهد؟
- كيف يمكن الاستفادة من المعهد في تعزيز وتطوير التعليم المحظري؟
- دراسة مفردات منهج المعهد بصورة متأنية وخاصة مقررات العقيدة والفقه لأنها هي التي قد تثير بعض الإشكالات والحساسيات وتذكي نعرات فكرية ومذهبية قد تسهم في زيادة الهوة بين المدارس الإسلامية وتثير من الجدل والخصام ما يضر ولا ينفع.
وأهمية هذه الدراسة أنها ستعين على اتخاذ القرار على أسس صحيحة وعلى تجنب المشاكل التي قد تحصل في غفلة من الجميع.
ولكن الأهم من ذلك هو أن يكون الهدف من فتح المعهد في غاية الوضوح. فإذا كان هدف القائمين على المعهد الدعوة بمفهوم ضيق ونشر "العقيدة الصحيحة" ومحاربة "البدع والشرك" فيمكن أن نجزم قبل بداية التجربة بأنه قد لا يحالفها الحظ لأن القائمين على المعهد سيجنون نفورا من قبل المجتمع أو بعض شرائحه بينما لن يكسب البلد والمجتمع سوى مزيد من الجدل الفكري والتشنج المذهبي إن لم يتطور ذلك إلى "إرهاب" يتبناه شباب حصيلتهم العلمية قليلة ونضجهم الفكري أقل ونصيبهم من الحكمة الجدب والتصحر.
الإرهاب
لا يتصور أن الهدف من إعادة فتح المعهد هو تغذية وتشجيع الإرهاب لأن المملكة العربية السعودية نفسها اكتوت بنار الإرهاب وخاضت معركة كبيرة ضده بأبعادها الفكرية والأمنية، لكنها خاضتها بحزم وحكمة.
وسعادة السفير السعودي كان واضحا في كلمته عندما قال إن المملكة ملتزمة بدعم التعليم الإسلامي الوسطي في موريتانيا.
وتبقى المسالة معلقة على حسن إدارة المعهد والعناية بإخراج مناهجه بما لا يؤدي إلى صدام فكري ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع الموريتاني أي الثلاثي المعروف في هذه البلاد العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف.
والمسألة ليست هنا من باب التعصب لمذهب أو عقيدة معينة وإنما لأن هذه اختيارات لعلماء أجلاء كثر ولا يجوز العمل على إزالتها أو التقليل من شانها بناء على اجتهادات تخالفها لعلماء آخرين.
ولا بد هنا أن نذكر بحادثة وقعت في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم حيث كادت بعض أسئلة اختبارات المعهد أن تسبب ازمة كبيرة إذ ورد سؤال عن (الفرق "الضالة" ومنها الطريقة التيجانية!!) وقد تحركت بعض مجموعات التصوف وخاصة إخوتنا التكارير في اعتراض شديد على هذا النوع من الأسئلة.
ولذلك فقد يفهم تخوف من طرح مسالة الإرهاب خاصة أن موقف المدرسة السلفية التقليدية لا مهادنة فيه مع التصوف ويصل الأمر أحيانا إلى حد التكفير ومن أمثلة ذلك فتوى لهيئة كبار العلماء بشان الطريقة التيجانية، ردا على سؤال يقول: ما هي عقيدتكم في طريقة التيجانية ورؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم يقظة؟ فكان الجواب: الفرقة التيجانية من أشد الفرق كفرًا وضلالاً وابتداعًا في الدين لما لم يشرعه الله. (...) . وأما دعوى بعض الصوفية أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فشيء لا أصل له، بل هو باطل وإنما يرى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حين يخرج الناس من قبورهم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة)، نهاية الاستشهاد.
وهذا بالتأكيد بعيد عن التوجه الرسمي للمملكة.
فالمطلوب هو أن تبتعد إدارة المعهد عن هذا المنهج وهذا الطرح لعدة أسباب أولها أن هذا الحكم يجافي الحقيقة وهو رأي خصم في مخالفيه، وثانيا أن السعي لنشر هذه المنهج (التكفير) سيضر أكثر مما ينفع، وثالثا أن هذه الفتوى تتضمن احتكار الصواب وتلك آفة عظيمة وطامة كبرى ومعضلة جسيمة عانت منها الأمة ولا تزال. أما النتيجة فهي تعصب كل فريق لرأيه لأسباب نفسية وعاطفية قبل أن يكون الأمر من باب البحث عن الحق.
يقول الدكتور محمد المهدي محمد البشير: يتنازع أهل "الديــــن " على احتكار الحديث باسم الله تعالى، وعلى امتلاك الحقيقة الدينية المطلقة، كما لو كانت حقائق الدين مجرد سلع تجارية، أو قطع أرضية، أو أنعام سائمة؛ لا تقبل القسمة على جميع الباحثين عنها كل بحسب استعداده وجهده ..".
السلفية تمثل اختيارات واجتهادات بعض أهل العلم وليست هي الحق بعينه (**)
يقول أبو زهرة في تعريفه للسلفية : "السلفية جماعة ظهرت في القرن الرابع الهجري، وهي تركز في دعوتها على جانب العقائد، ولها مسائل خلافية كثيرة مع الجمهور، تتعلق بالعلاقة بين النص والعقل والتأويل والاستغاثة والتوسل. وتعد حسب ذلك المنهج من أكثر الفرق الإسلامية تشددا. وهم ينسبون آراءهم إلى الإمام أحمد بن حنبل. وتجدد ظهورها في القرن السابع الهجري على يد أحمد بن تيمية الحراني، ثم أحياها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري. وهم في منهجهم يعتمدون في العقائد على ظاهر النص دون العقل، فابن تيمية يرى أنه لا سبيل إلى معرفة العقائد والأحكام، وكل ما يتصل بها إلا من ظاهر القرآن والسنة." ويضيف محمد أبو زهرة أنهم يجعلون العقل سائرا وراء النقل يعززه ويقويه، ولا يستقل بالاستدلال بل يقرِّب معاني النصوص. وهم يرون أنه ليس للعقل سلطان في تأويل القرآن الكريم وتفسيره وتخريجه إلا بالقدر الذي تؤدي به العبارات وما تضافرت عليه الأخبار. وإذا كان للعقل سلطان بعد ذلك فهو في التصديق والإذعان وبيان تقريب المنقول من المعقول وعدم المنافرة بينهما، فالعقل يكون شاهدا ولا يكون حاكما ويكون مقررا مؤيدا ولا يكون ناقضا ولا رافضا ويكون موضحا لما اشتمل عليه القرآن الكريم من الأدلة. فالسلفيون لا يؤمنون بالعقل لأنه يُضل ولكن يؤمنون بالنص وبالأدلة التي يومئ إليها النص لأنه وحي أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم."
ومن أكثر ما يميز السلفية المعاصرة توسٌّعها في معنى البدعة حتى صار كل مستجد بدعة بغض النظر عن تغير الأحوال وتبدُّل ظروف الناس وتجدد متطلبات الحياة، فكأنما يريدون أن تظل الناس تعيش في جمود ودون تطور مع دعوى اتباع السلف في ذلك. حتى أنك لو طبقت مفهومهم للبدعة فإنك ستجدهم وقعوا في بدع كثيرة حسب قواعدهم. وهذا المنهج جعلهم يخافون استعمال العقل ويتمسكون بالنصوص وفهم السلف ربما التماسا للأمان ومخافة الوقوع في الخطأ فطلبوا السلامة في الاتباع، فلذلك كانت المدرسة الحنبلية قديمها وحديثها تتشبث بالنصوص ولا تمنح العقل نصيبا في الأمر سوى التسليم والتصديق بمن سبقوها فتحولت إلى مذهب ظاهري أو ظاهرية القرن العشرين كما وصفهم بعض العلماء.
يقول الدكتور مختار الغوث: "المدرسة الحنبلية كانت أكثر ما تعنى به النصوص (الكتاب والسنة)، ومحاولة فهمها في حدود الظاهر. ومن حسناتها العودة إلى نصوص الوحي بدلا من الوقوف عند أقوال متأخري العلماء وترداد ما في المتون والحواشي، لكنها قصَّرت في تعلم العلوم العقلية؛ فكانت أشبه بالظاهرية. وكل ذلك لأنهم خافوا شطحات العقل لكنهم في المقابل وقعوا في شطحات النقل. وبلغ فهم السلف عندهم درجة التقديس مع أن السلف اختلفوا في الفهم وهم ليسوا معصومين كما أنهم على درجة متفاوتة من الفهم. ويضيف الدكتور مختار في هذا السياق: "فالسلف ليسوا مصدراً من مصادر التشريع وإنما فهمهم واجتهادهم هو فهم أهل حقبة مباركة واجتهادهم، وقد يأتي من هو أعلم من بعضهم، فيخالفهم، فلا يكون رأيهم أولى بالقبول من رأيه، لأنهم سلف. وقد اختلف السلف في كثير من المسائل، فبأي أقوالهم يؤخذ، إذا كانت مخالفتهم لا تجوز؟ هل كلها صواب وقد تكون متناقضة أو مختلفة؟ ثم ما الذي جعل الاجتهاد حقا للسلف دون غيرهم، وهم جميعا مخاطبون بالشرع؟ ... لذلك لا ينبغي أن يحكَّم أهل قرن في علم دون أهل قرن آخر، مهما بلغوا من الفضل، فـ"لم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصَّ به قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر"، كما قال ابن قتيبة. "
الخلاف في العقيدة
تذهب بعض أراء المدرسة السلفية إلى أن الاجتهاد والخلاف لا يقبلان في مسائل العقيدة وأن الفيصل في ذلك هو الكتاب والسنة وهذا المنهج يحتاج إلى تفصيل :
أولا : الأمر ليس على إطلاقه في كون الاجتهاد لا يكون إلا في الفروع، فمثلاً اختلف العلماء في عذاب القبر هل هو على البدن أو على الروح ؟ واختلفوا كذلك هل الذي يوزن هي الأعمال أو صحائف الأعمال أو صاحب العمل ؟ واختلف العلماء في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الدنيا ؟ واختلف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، هل رآه بعينه - يعني في الحياة - أو رآه بقلبه ؟ واختلف العلماء في النار هل هي مؤبدة أو مؤمدة ؟ وكل هذه من العقائد.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(السلفية: هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية.
وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهجٍ حزبي فلا شك أن هذا خلاف السلفية، فالسلف كلهم يدعون إلى الاتفاق والالتئام حول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضللون من خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون أن من خالفهم فيها فهو ضال، أما في المسائل العملية فإنهم يخففون فيها كثيراً.
لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام، وهذا هو الذي يُنكر ولا يمكن إقراره، ويقال: انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون! انظروا طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يُسوغ فيه الاجتهاد، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة، وفي مسائل عقدية، وعملية، فتجد بعضهم مثلاً يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وبعضهم يقول: بلى، وترى بعضهم يقول: إن التي توزن يوم القيامة هي الأعمال، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي توزن، وتراهم).
ثانيا : الخلاف ليس في الاحتكام إلى الكتاب والسنة فالأصل ان ذلك لا يختلف عليه اثنان من المسلمين إنما القضية في الاختلاف في فهم النصوص الشرعية
فمثلا قوله تعالى في الحديث القدسي : (من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً) هل يجزم بأن المراد القرب الحسي؟ وقوله : ( من أتاني يمشي أتيته هرولة) هل المقصود المشي الحسي المعروف عند البشر؟. وأين نحن من قوله تعالى: ((ليس كمثله شيء)). فهذه النصوص وغيرها تتطلب بعض التفكير والتأمل لفهمها على وجه يليق بالله جل وعلا تنزيها وكمالا.
أردنا من خلال هذا التعريف السريع للمدرسة السلفية أن نبين أن المناهج التي تتبناها هذه المدرسة واختياراتها ليست هي الحق بعينه أو الصواب الذي لا كلام بعده ، واقصى ما في الأمر أن ما عندهم ليس سوى اجتهادات لعلماء لهم أجرهم بإذن الله ولكن لا يصح إلزام مخالفيهم بها بحجة أن هذا رأي السلف وقد مر معنا أن السلف اختلفوا ، ثم إن جميع المدارس ترى أنها تتبع السلف فليس لأحد أن يقصي أحدا أو يتبنى وصاية على دين اللـه ويحتكر الحق والصواب ويضيق الواسع ويغلق باب الاجتهاد بحجة "اتباع" السلف " أو بحجة عدم جواز الاختلاف في مسائل العقائد.
دعوة لتجديد المنهج
ولتجديد منهج المعهد السعودي اقترح أحد خيارين :
- الغاء مقرر العقيدة من مناهج المعهد تفاديا لأي لبس أو سوء او صدام
- أما الخيار الآخر فهو تثبيت مقرر العقيدة بعد مراجعته من قبل تربويين موريتانيين وأن تضاف إليه آراء المدارس الإسلامية الأخرى من أشاعرة وصوفية مثلا وأن يكون الهدف هو توسيع مدارك الطالب وتشجيعه على التفكير والاختيار لا إلزامه باختيارات مذهب معين على اعتبار أنها الصواب وما سواها هو الباطل.
ويمكن أن يتضمن المنهج مثلا تدريس "إضاءة الدجنة" للمقري و"مطهرة القلوب" للعلامة آد وغيرهما من المصنفات المماثلة المعروفة في هذه البلاد.
وكذلك مراجعة المقرر الفقهي بحيث بحيث يركز على الفقه المقارن ليشمل اختيارات المذاهب المعروفة ولا يحمل الطلاب على مذهب معين باعتباره هو الأصوب.
وكذلك البعد عن أي منهج يؤدي إلى صراع وهمي بين الكتاب والسنة من جهة والمذاهب من جهة أخرى ، فالمذاهب ليست إلا اجتهادات لفهم وتوضيح الوحيين.
وخلاصة الموضوع أن الموريتانيين يرحبون بعودة المعهد السعودي بالضوابط والاعتبارات التالية :
- أن يعتمد المعهد بصورة أساسية على الكفاءات العلمية الموريتانية وهي موجودة بكثرة والحمد للـه
- أن يكون هدفه تعزيز العلاقات بين البلدين على المستويين الرسمي والشعبي خاصة في المجال التعليمي وتوجه المملكة في هذا الباب واضح كما أعلن سعادة السفير السعودي.
- أن يعرف القائمون على المعهد ان موريتانيا بلاد إسلام وعلم
- أن لا يكون الهدف "تصحيح العقائد" ومحاربة "البدع" بمفهوم مدرسة معينة.
- أن تراجع مقررات العقيدة والفقه بما يتلاءم وظروف البلاد وما يسود فيها من مفاهيم عقيدية وفكرية.
- أن يشكل المعهد منتدى للحوار الإيجابي والتقريب بين المدارس الإسلامية وان تركز برامجه على المشترك بين المسلمين بدل التركيز على المسائل العقدية الخلافية.
- أن تقيم تجربة المعهد السابقة للاستفادة مما قد يكون حصل فيها من أخطاء.
- لا باس بتناول ودراسة بعض المخالفات الشرعية التي قد يرتكبها من ينتسب للتصوف ، وهي موجودة ، في إطار نقد بناء يهدف للتصحيح والتقويم ولكن ليس في إطار صراع بين حق وباطل أو سنة وبدعة .
أما التركيز على مسائل العقيدة والمسائل الخلافية عموما وفق رؤية ضيقة فيخشى أن يجلب من الضرر أكثر من النفع وتكون النتيجة إحراج الحكومتين وزيادة الهوة بين أبناء الأمة في الوقت الذي نحتاج فيها إلى ما يجمعنا لا ما يفرقنا.
فالمسلمون يتفقون بالنسبة للعقيدة على ما ورد في حديث جبريل الذي تضمن تعريف الإسلام والإيمان والإحسان، أما ما عدا ذلك فقد اختلف العلماء في عدة مسائل عقدية، كما مر معنا، ومن زعم أنه لا يجوز الخلاف في المسائل العقدية، حسب مفهوم معين، إنما يريد حمل المسلمين على رأي مدرسة أو طائفة واحدة ويلغي غيرها من طوائف وفرق المسلمين.
الموريتانيون يريدون منهجا سلفيا بلا نطح فذلك قمن بإقامة تصوف بلا شطح وإذا نجحنا في بناء تجربة المعهد على هذا النحو فسيشكل ذلك قيمة مضافة حقيقية تحرجنا من مناهج الصراع التقليدية الصفرية التي لم توصل الأمة إلى نتيجة بل زادتها تشتتا وضياعا.
إن احترام اختلاف العلماء في الاجتهاد والفهم يعزز وحدة المسلمين والعكس صحيح.
إن عودة المعهد السعودي تدخل في إطار دعم الحكومة السعودية للمنظومة التعليمية في موريتانيا باعتبار مكانة السعودية وثقلها وقيادتها للعالم الإسلامي.
وهذا التوجه ينسجم مع اهتمام المملكة بتعزيز التقارب بين مذاهب وطوائف المسلمين خاصة من خلال برامج رابطة العالم الإسلامي ومن أحدثها تبنى كبار مفتي الأمة الإسلامية وعلمائها ومفكريها من كافة المذاهب والمدارس الإسلامية، "موسوعة المؤتلف الفكرى الإسلامي"، واعتمدوا الخطة الإستراتيجية والتنفيذية لوثيقة "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"، وذلك فى ختام النسخة الثانية من المؤتمر الدولي: "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" الذى انعقد يومى 6-7 رمضان 1446هـ الموافق 6-7 مارس 2025م، فى مكة المكرمة، تحت عنوان "نحو مؤتلفٍ إسلامى فاعِل" برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وبمشاركة واسعة من ممثلى المذاهب والمدارس الإسلامية من أكثر من 90 دولة.
وقد شدَّد المؤتمرون على اعتزازهم بالهوية الجامعة، وتمسُّكهم بأصول الإسلام ومحكماته، وإيمانهم بوجوب اعتصام المسلمين بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، وأنهم يمثلون أمّة واحدة مهما تناءت بهم الديار، واختلفت مذاهبهم، وتعددت مدارسهم، استجابةً لأمر الله تعالى لهم بالتوحُّد حول أصول دينه. ودعوا إلى أهمية احترام وجود التنوع الإسلامى، والتعامل فى مسائل الخلاف ضمن الأُطر الإسلامية المؤسَّسة على أدب الخلاف، وعدم الانجرار إلى مزالق التكفير ومخاطر التناحر والتنابز.
وحذروا من تبعاتِ ما تشهده بعض الوسائط الإعلامية من سِجالاتٍ حادة توغر الصدور وتثير النزاع والفرقة بذرائع تجلب من المفاسد أعظم مما تتوهَّمه من المصالح، فأججت الضغائن، واستثارت التعصب، واستولدت البغضاء سادرة عن منّة الله على المؤمنين: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
والحمد للـه رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب المجتبى المبعوث رحمة للعالمين.
** يراجع بحثنا تحت عنوان : بين التصوف والسلفية في بلاد شنقيط