هل سنُكرر أخطاءَ اليمن والسودان؟

يُجمع معظم المهتمين بالدراسات الأمنية وبأجهزة المخابرات في عالَمنا العربي على أنها مجرد أداة للحفاظ على الأنظمة أكثر من حفاظها على الأمن القومي، لذلك خلقت غالبية مقارباتها مواطن للخلل بالغة التأثير على تماسك المجتمعات.

فقد أدى شغفها بزرع الاختلالات بين فئات المجتمع إلى وقوع أخطاء كارثية تسببت في النهاية في انهيار الأنظمة التي دافعت عنها، بل وفي أحايين كثيرة  حولت دولهم إلى دول فاشلة.

يُعد  اليمن السعيد مثالاً حيًا على هذا النموذج، حيث أدت  مخاوف  النظام من استقلال الجنوب بعد انتهاء الحرب الخاطفة في العام 1994، إلى تبنيه إستراتيجية أمنية قائمة على تشكيل نواة لفصيل مسلح يمكن استخدامه لإثارة المخاوف وبالتالي الحد من الحروب بين الشمال والجنوب، وقطع الطريق أمام الأطماع الانفصالية لساكنة مدينة تعز وغيرها..

استطاع علي عبد الله صالح  في العام 2004، أن يستخدم الحوثيين استخداماً مزدوجاً، يرمي من خلاله إلى إغراق الجبهة الداخلية بالمخاوف من توسع إيديولوجيا مناوئة للتصور السائد في الجنوب من جهة، ومن جهة أخرى الانخراط بسهولة في شعار المرحلة وقتها الذي رفعته الإدارة الأمريكية ممثلا في الحرب على الإرهاب.

لم تعِ المخابرات اليمنية أنها تعمل على تنفيذ خطة ستؤدي لانهيار الدولة، وهو ماحدث في العام 2014، أي بعد عقد من الزمن بالتحديد .

كررت المخابرات السودانية الأخطاء ذاتها حين لجأت لتكوين ميليشا الجنجاويد في العام 2003 بدارفور التي تحولت خلال عشر سنوات لقوة أُطلق عليها الدعم السريع الذي كان تزايد نفوذه السبب المباشر في الحرب التي كسرت رحاها ٱمال وطموحات كل السودانيين.

 

 هذه المعطيات السريعة في تطورها والكارثية في نتائجها، تحتم على المخابرات الموريتانية تغيير إستراتيجيتها -قبل فوات الأوان- في التعامل مع الحساسيات الاثنية، وتصحيح أخطاء اُرتُكبت في عشرية عزيز، الذي دفعته المخاوف من الربيع العربي، إلى استغلال الشرائحية للتأثير على الحماسة  الزائدة التي حركت ٱلاف الشباب للالتحاق بركب الثورة في تونس ومصر وليبيا.

والحق أن تركيز النظام على دعم النزعة الشرائحية خلق اختلالات عميقة وبالغة التأثير على أمن المجتمع وتماسكه، حيث أصبح سب أجهزة الدولة نضالاً، وهكذا نشأ تيار متطرف يوصف رجالاته بالزعماء الوطنيين، رغم كونهم يستمدون خطابهم وكل امتيازاتهم من استحقار مؤسسات الدولة وبرعاية منها، ليصبح فيما بعد، وفي وقت وجيز، فصيلاً له وزنه السياسي، وربما العسكري في قادم الأيام.

 

إن حرص المخابرات الموريتانية على استخدام هذا التيار في كل لحظات التوتر، يوحي بأن رجال المباحث لا يدركون حجم المخاطر الناجمة عن اللعب بشر مستطير، قد يحرق لهبه كل حلم في بناء موريتانيا متصالحة مع ذاتها.

 

بيد أن  تجنب تكرار أخطاء اليمن والسودان يحتم على موريتانيا تبني مقاربات أخرى أكثر حكمة، تمر عبر سلسلة من المقاربات السلمية بعيدا عن سياسة العصا التي قد تمنح العنف شرعية يصعب التعامل مع الأخطار الناجمة عنها، وأعتقد أن أنجع الوسائل يبدأ بضبط الخطابين السياسي والحقوقي، وترويضهما بقوة ناعمة تعتمد الصرامة منهجاً في كل مقارباتها، وإلا سنكون مُجبرين على تكرار الأخطاء ذاتها التي ارتُكِبت في دول شقيقة..

 

د. أمم ولد عبد الله

ثلاثاء, 08/04/2025 - 12:20