سوابق «انضمامية»!

قام بوياگي ولد عابدين، رحمه الله تعالى، بزيارة غير معلن عنها إلى المغرب الشقيق، في مارس 1960، أي بضعة أشهر قبل إعلان استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية، والذي تم في أجواء متوترة للغاية بسبب الحملة الإعلامية المغربية وبعض المحاولات الرامية إلى إثارة حالة من الفوضى تحول دون تنظيم الحفل المقرر لإعلان الاستقلال في يوم 28 نوفمبر من العام ذاته. وبغرض تخويف الضيوف الأجانب المدعويين ومنعهم من حضور الحفل، تحدثت الإذاعة المغربية عن «أعمال خطيرة» ستشهدها نواكشوط التي كانت ما تزال عبارةً عن بضعة بيوت ومقرات حكومية قيدَ الإنشاء. 
 ويشير بمبه ولد سيدى بادي إلى تلك الزيارة، لكنه ينفي قيام بوياگي خلالها بمبايعة الملك محمد الخامس، رحمه الله تعالى، قائلا إنه وجَّه ما يشبه اللومَ إلى الزعيم أحمدو ولد حرمه، وكان يستضيفه في بيته، بعد أن كشف له عن مبايعته الملكَ، إذ رأى بوياگي في تلك الخطوة تصرفاً متسرعاً. 
 لكن شهادات وكتابات إخبارية أخرى تؤكد أن بوياگي هو أيضاً بايع الملك. وفي هذا السياق يذكر إسحاق العلوي، نجل الزعيم أحمدو ولد حرمه، أن كلا من والده وبوياگي كان لهما الموقف ذاته من «مغربية موريتانيا»، حيث يقول: «كان لبوياكي ولد عابدين وجماعته نفس الموقف الذي اتخذه حرمة بشأن المطالب المغربية»، ويقتبس من عبد الرحيم بوعبيد الذي كان عضواً في الحكومة المغربية حينها قولَه: «لقد اتّصلت الحكومة بحزب النهضة الموريتاني، ووقع الاتّصال مع رئيسه في بلاد إفريقيا، ووصل وفد عن النهضة بصفة سرية إلى المغرب، ووقع الاتفاق على القيام بعمل منظم». وبالطبع فإن رئيس حزب النهضة المشار إليه في هذا الاقتباس هو ولد عابدين، أما «العمل المنظم» الذي اتَّفق عليه مع الحكومة المغربية فلم يوضحه بوعبيد. 
 والمؤكد أن محمد الخامس استقبل كلا من بوياكي ولد عابدين وبمبه ولد اليزيد (ليس بمبه ولد سيدي بادي) في يوم 8 مارس 1960، ويظهر الثلاثة في الصورة الملتقطة من ذلك الاستقبال، والتي تُنشر لأول مرة، كما يقول إسحاق العلوي.   
لكن ما موقف أحمدو ولد حرمه الذي قال نجله إسحاق إنه نفسه موقف بوياگي؟
إنه بالضبط ذلك الذي عبر عنه في أكثر من مناسبة، والذي بينه بالتفصيل الكاتب والمؤرخ المغربي محمد بنسعيد آيت ايدر في كتابه «صفحات من ملحمة جيش التحرير بالجنوب المغربي»، ومن ذلك الرسالةُ المفتوحة التي بعثها أحمدو ولد حرمه، من الرباط في يوم 14 يناير 1958، والتي يقول فيها مخاطباً أعضاءَ المجلس الأعلى لمجموعة غرب افريقيا الفرنسية بدكار والبرلمانيين الافارقة: «لقد شرحتُ لجميع المغاربة الذين لقيتهم الاسباب التي دعتكم إلى المصادقة على قرار يونيو الماضي، وأنا أعرف أنكم قمتم بهذا العمل بنية حسنة ظناً منكم أن شنقيط شيء آخر غير جزء من المملكة الشريفة. والمقصود من رسالتي هذه بالضبط هو أن أؤكد لكم أن شنقيط ليست سوى منطقة من المغرب.. وإذا قلت المغاربة فأنا أعني الشناقطة أيضاَ».
وعلى هذه الخلفية المشحونة بالتوتر الإعلامي والسياسي، فضلا عن العمليات التي كان ينفذها جيش التحرير المغربي، في شمال البلاد وشرقها، وما صحب ذلك من اتصالات سرية مع عناصر «النهضة»، والذين كانت حكومة الاستقلال الداخلي تنظر إليهم باعتبارهم «طابوراَ خامساً»،. قامت هذه الحكومة بالتحفظ على أولئك العناصر لدى وصولهم نواكشوط قبيل حفل إعلان الاستقلال، إذ كانوا يعلنون على الملأ نيتهَم إفسادَه. ورغم أن هذه العناصر سرعان ما دخلت الحكومةَ واندمجت في نظام الحزبَ الواحد الذي تبنته البلاد، فإن بعضهم لم يستطع الانسجامَ مع الأغلبية داخل الجهازين الجديدين، وظل يعملون على إثارة الفوضى والإنقسام في مرحلة حساسة وحرجة، كانت محفوفة بمصاعب داخلية كثيرة ومخاطر إقليمية لا تقل عنها تعقيداً!   
هذه واحدة من سوابق النخبة «الانضمامية»، أعادتها إلى الذهن مطالبةُ الأكاديمي والدبلوماسي الدكتور اعلي ولد صنيبه، الذي طرح مسألةَ الانضمام إلى المغرب رداً على أي محاولة «زنجية» لـ«تجزئة الهوية العربية الموريتانية».

 

محمد ولد المنى

أحد, 06/04/2025 - 19:26