استئناف الحرب على غزة.. خيار نتنياهو الاسهل للهروب من شبح حرب أهلية

انقلب اعضاء عصابة المجرمين والارهابيين التي تحكم في تل ابيب على اتفاق وقف اطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي, وهذا كان متوقعاً, فالغدر والخيانة والتنكر للاتفاقات والعقود من اصيل طباعهم التي جبلوا عليها في كل العهود والازمان.

يوم الثلاثاء 18 مارس الجاري اطلقوا العنان للعشرات من طائراتهم الامريكية الاحدث في العالم للهجوم على قطاع غزة والقاء حممها وصواريخها المروعة على الاهالي المدنيين الامنين العزل فقتلوا في غضون لحظات حوالي 500 فلسطيني (تجاوز عدد الضحايا 750 شهيدا) اكثر 90% منهم من الاطفال والنساء الابرياء بدون ان يرف لهم جفن.

نتنياهو كبيرهم مجرم الحرب والفاسد المطلوب للمحاكم دوليأً وداخلياً ادعي كاذباً ان حركة حماس هي التي خرقت الاتفاق والقاصي والداني يعرف انه يكذب كما يتنفس, والمؤلم انه وجد من يصدقه ويدعمه في البيت الابيض رغم انهم يعرفون انه كاذب, وها هو عضو عصابته الاجراميةسموترتش يؤكد انه كاذب بقوله علناً بملئ فيه "ان نتنياهو تبنى طلبه بالعودة الى الحرب"...!!!, هذا يعني بوضوح لا لبس فيه ان قرار استئناف الحرب الظالمة على اهل غزة العزل كان وفقاً لحسابات شخصية وحزبية, ولم يكن نتيجة خرق اتفاق او غيره كما يزعم.

وفقاً للتقارير الواردة من فلسطين المحتلة عام 1948 فإن نتنياهو يمر بظروف سياسية وشخصية غير مريحة, يتنظره مصير قاتم فور تركهأواقصائه عن السلطة, وهناك شبه اجماع (محلياً واقليمياً ودولياً) انه يسخر كل ملكاته وامكانياته وعلاقاته ونفوذه لتجنب هذا المصير, بما في ذلك العمل على استمرار الحرب لانها الامر الوحيد الذي يبقي حكومته متامسكة وبالتالي يضمن بقاءه رئيساً للحكومة, رغم ان غالبية شعبه مع ابرام اتفاقاً لاعادة الاسرى ووقف الحرب وفقاً لاستطلاعات الرأي. 

الاوضاع داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 ليست مستقرة كما يحاول نتنياهو وعصابته الادعاء, فهو يتعمد تفجيرها من وقت لاخر لان أسهمه وأسهم عصابته ترتفع في البيئة التي يسودها الرعب والتدمير والقتل والدماء, شأنهم شأن آل كابوني وإل تشابو وبابلو اسكوبار وغيرهم من عتاة الإجرام الذين يتفننون في زرع بذور التوتروزعزعة الاستقرار وخلق الفوضى والموت والخوف في مجتمعاتهم حيث تزدهر أعمالهم في هذه الاجواء, وقرار استئناف الحرب على اهالي قطاع غزة الاسبوع الماضي يأتي في هذا السياق.

نتنياهو تعمد اقالة رئيس جهاز الشاباك تزامناً مع عدوانه الغاشم على قطاع غزة, وهو يعرف ان سيكون لهذا القرار تداعيات وصدامات, والملفت انه تعمد كذلك التخلص من المستشارة القضائية في الوقت ذاته.

معظم المحللين الصهاينة يروا ان قرارات نتنياهو هذه تهدف لهدفين, الاول حرصاً على ارضاء سموترتش خوفاً من انسحابه من الحكومة وبالتالي انهيارها وما يعنيه ذلك من كارثة سياسية وشخصية لنتنياهو, لان ذلك يستدعي الذهاب الى انتخابات مبكرة وخسارة نتنياهو وعصابته فيها في حكم المؤكد وفقاً لكل استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الاشهر القليلة الماضية, وهذا يعني تجرد نتنياهو من الحصانة كرئيس حكومة ومن ثم محاكمته, ووفقاً لكل المعطيات القانونية ذات الصلة بالقضية فان إدانته شبة مؤكدة ودخوله السجن شبه حتمي, وحسب المختصين في القانون فان مدة العقوبة في قضايا الفساد والرشوة وخيانة الامانة لا تقل عن خمسة عشر عاماً, اي انه سيقضي ما تبقى من حياته وراء القضبان فهو الان في منتصف السبعينات, هذا اذا بقي حياً طيلة مدة العقوبة كونه مدخن شره ويتعاطى الكحوليات ويعاني من عدة امراض (القلب والمعدة والبروستات وارتفاع ضغط الدم والسكر في الدم). 

وهذا السر وراء استماتته للتشبث بمنصب رئيس الحكومة بأي ثمنكان, هذا بالنسبة له مسألة حياة او موت, لانه الضمان الوحيد الذي يجنبه الكابوس المشار اليه ولو مؤقتاً, وهذا ما يفسر المجازر المروعة التي يرتكبها في قطاع غزة, وكذلك اشعال النيران داخل مجتمعه كما سنبين في سياق المقال لاحقاً..... ياروح ما بعدك روح....!!!.

الهدف الثاني, الهروب الى الأمام وهذا أحد الخيارات التي يلجأ اليها الساسة عندما تواجههم تحديات مستعصية, وهذا ما يقوم به نتنياهو من اشعال النيران قطاع غزة وفي الداخل المحتل لإعادة خلط الاوراق وتشتيت انتباه خصومه وحلفائه على السواء داخلياً وخارجياً بهدف تخفيف الضغوط السياسية الكبيرة التي يواجهها, فهو قد فشل في تحقيق اي من اهداف حربه الشعواء التي شنها على قطاع غزة رغم تدميره القطاع بشكل شبه كامل وقتل اكثر من 60 الف فلسطيني 80% منهم اطفال ونساء بالاضافة الى الخسائر الباهظة التي تكبدها كيانه الغاصب في كافة القطاعات.

مثلا لا حصراً, عسكرياً, وفقاً لتصريح لرئيس الاركان الصهيوني ايال زامير ان حوالي 6 آلاف من لقوا حتفهم, كما جرح حوالي 15 الف اخرين جسب تصريح زامير الذي نشرته القناة الثانية عشر في الثاني من شهر فبراير الماضي, وهذه الارقام تتعارض مع ارقام وردت في مقال للمحلل الصهيوني يواف زيتون استقاها من بيانات للجيش ونشرتها صحيفة يدعوت احرونوت في العاشر من الشهر الجاري وتشير الى إن أكثر من 10 آلاف جندي خرجوا من الخدمة العسكرية بعد الحرب، ووفقاً للمقالنفسه قُتل وجُرح منذ السابع من أكتوبر 2023 نحو 12 ألف جندي.

هذا في حين انه ورد على صفحات وزارة الدفاع الصهيونية في وسائل التواصل الاجتماعي يوم الاحد 23 مارس الجاري بأن عدد الجرحى في صفوف الجيش 78 الف مصاباً وبجسب خبراء عسكريين بأن نسبة القتلى في المعارك العسكرية تقدر 25-30% من عدد الجرحى اي عدد القتلى في صفوف الجيش الصهيوني وفقاً لهذه المقاربة تبلغ من 20-25 الف قتيل تقريباً, هذا علماً بأن الجيش كان قد اعلن ان عدد قتلاه لا يتجاوز 900 قتيل.

هذا التضارب بالارقام يعني انهم يتكتمون على العدد الحقيقي والذي هو بالتأكيد أكثر بكثير من كل ما تم اعلانه ومن كل هذه الارقام, وانهم يكشفون الحقيقة شيئأ فشيئاً تجنباً للصدمات المجتمعية.

اما اقتصادياً فقد قدرت وزارة الامن الصهيونية كلفة الحرب اليومية بحوالي 270 مليون دولار يومياً اي قاربت الخسائر الاجمالية ما يقرب من 150 مليار دولار, ناهيك عن هجرة واقفال الاف الشركات والمصانع من بينها شركات التقنية العالية.

دولياً, بات الكيان الصهيوني مكشوفاً على حقيقته كعدو للحياة والانسانية وانه سمعته في العالم باتت موصومة بقتل الاطفال والنساء والصحفيين والاطباء وطواقم الاسعاف والدفاع المدني ومنسوبي المنظمات الاغاثية والدولية وتدمير البيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة وشبكات المياه والطاقة والاتصالات والمواصلات وكافة مرافق الحياة, وبات ارفع مسؤليه وضباطه وجنوده مطاردين ومطلوبين للمحاكم الدولية لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية.

دبلوماسياً, على اثر حرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة هناك عدد من الدول طردت السفراء الصهاينة كايرلندا وكولومبيا والبرازيل وبوليفيا وتشيلي وغيرها بسبب الابادة الجماعية وجرائم الحرب المروعة التي ارتكبها كيانهم الارهابي بحق المدنيين العزل في القطاع, وبالمقابل هناك دول اعلنت اعترافها بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران يونيو عام 1967 كاسبانيا والنرويج وايرلندا وجامايكا وترينيداد وتوباغو وبربادوس وجزر الباهاما وغيرها.

هذا وبعد حوالي 15 شهرا من الحرب على قطاع غزة وتوقيعه على اتفاق وقف اطلاق النار في يناير الماضي بتدخل امريكي, ادرك نتنياهو خصوصاً حين ظهر جلياً خلال مراسم الإفراج عن دفعات الأسرى انه لم يحقق شيئاً من أهداف الحرب المعلنة رسميا من طرف الحكومة الإسرائيلية، وهي استخدام الضغط العسكري للإفراج عن الأسرى، والقضاء على القدرات العسكرية للمقاومة، وتفكيك قوة حماس وعزلها عن الحكم في غزة، وان كل ما تحقق هو فقط مجازر واسعة التي أدت إلى استشهاد حوالي 65 ألف شخص وتدمير قطاع غزة بشكل كامل تقريباً.

هنا أصبح نتنياهو أمام مفترق طرق، إما الإقرار بالفشل في الحرب عبر تنفيذ بنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بما يشمله من الانسحاب من قطاع غزة بما في ذلك محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، ودخول مئات شاحنات المساعدات الغذائية والوقود والخيام يوميا، ومن ثم البدء في مفاوضات المرحلة الثانية التي ستقود إلى وقف الحرب والانسحاب من كامل قطاع غزة وبدء إعادة الإعمار، وهذا ما يمكن ان يفقده دعم سموترتش اهم شركائه في الائتلاف الحاكم والذي هدد اكثر من مرة أنهم سينسحب من هذا الائتلاف إن ذهب نتنياهم للمرحلة الثانية, وإما الخيار الاخر وهو خرق الاتفاق والعودة للحرب وارتكاب المجازر مجددا سعيا لتحقيق عدة أهداف داخلية, ابرزها البقاء على ائتلافه قائماً بل سيعززه بعودة بن غفير اليه, وبالطبع تبنى نتنياهو المعروف بانتهازيته اللامتناهية الخيار الثاني فقام باستئناف الحرب بشراسة على غزة يوم الثلاثاء الماضي 18 مارس الجاري فقتل حتى كتابة هذا المقال حوالي 750 فلسطينياً كما سبق الاشارة بالاضافة الى الاف الجرحي معظمهم من الاطفال والنساء.

نعم, يخوض نتنياهو حرباً داخلية لا تقل ضراوة عن حربه في غزة, فهناك اتساع حجم المظاهرات المعارضة لاستمرار حكمه, وهناك استمرار محاكمته يجعله تحت ضغط وقلق دائمين, وهناك مواجهته مع الاجهزة الامنية على اثر عزمها فتح تحقيق في ما بات يعرف بقضية "قطر غيت", وهو(نتنياهو) المتهم الاول في  هذه القضية, وهناك اتساع الخلاف داخل حكومته وبين وزراءه بسبب الميزانية, الاحزاب الدينية تريد الاستئثار بأكبر قدر ممكن من الاموال لتعزيز مكانتها بين اتباعها وتمويل مدارسها الدينية وغير ذلك, وهناك رفض الحريديم الخدمة في الجيش رغم النقص الكبير نتيجة الحرب في غزة حيث اعترفت الحكومة باصابة حوالي 78 الف جريح بالاضافة الى حوالي ثلثهم قتلى يعني اكثر من 100 الف ما بين قتيل وجريح بين صفوف الجيش, ناهيك عن عزوف الكثير من منسوبي الجيش ورفضهم الذهاب للحرب في غزة, وهناك نقابة العمال القوية (الهستدروت) والتي  تضم رجال اعمال, مهندسين, اطباء, مدرسين, والتي تهدد بالانضمام الى التظاهرات المعارضة لنتنياهو والدعوة الى الاضراب مما سيكون له اثر حيوي في شل الحياة المتعثرة اصلاً مما سينعكس سلباً على تماسك الحكومة وربما يعجل بانهيارها, وهناك تعيين رئيس جديد لشعبة العمليات, وتخفيض رتب عشرات الضباط في الجيش واقالة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هغاري واستبدال قائد المنطقة الجنوبية وحل "فرقة الاستراتيجية وإيران" التي تشكلت عام 2020.

كل هذه التحديات التي تواجه نتنياهو وحكومته دفعت ببعض المراقبين للاعتقاد بأنه (نتنياهو) بات مهدداً لان يفقد منصبه خلال أيام أو أسابيع قليلة على اثر الانقسامات العميقة داخل المجتمع الصهيوني والتي اشرنا الى بعضها والتي وصلت لمرحلة كسر العظم مما دفع نتنياهو لاستخدام مصطلح جديد على المجتمع الصهيوني (الدولة العميقة), وذلك بعدمازادت حدة المواجهات بين شرائح المجتمع المختلفة وارتفع التصعيد التي تشهده حالياً الاراضي المحتلة بين عصابة نتنياهو ومعارضيهم الى تبادل الاتهامات وتخوين بعضهم البعض, وكانه بمنأى عن الدولة العميقة وهو الذي يحكم هذه الدولة منذ حوالي 3 عقود تقريبا .

 

اخر الكلام:

اعتقالات ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب للطلاب والنشطاء السياسيين المؤيدين للفلسطينيين من غير الامريكيين وابعادهم خارج الولايات المتحدة وخصوصاً الذين شاركوا في الاحتجاجات العارمة التي شهدتها الجامعات الامريكية العام الماضي تشير الى مدى قوة تأثير وفاعلية هؤلاء وتخوف اللوبي الصهيوني من تمادي واتساع تأثيرهم داخل المجتمع الأمريكي وبالتالي لجوء اللوبي الى الضغط على ادارة الامريكية التي تخضع لإملاءات هذا اللوبي للتصدي لهؤلاء النشطاء نظراً لخطورتهم ومنافساتهم للوبي الصهيوني في التأثير في الحياة الأمريكية, بالرغم من معارضة ذلك للدستور الأمريكي الذي يكفل حرية التعبير.

هذا التطور المهم جداً يشير بوضوح الى ارتخاء قبضة اللوبي الصهيوني على الشعب والمجتمع والشارع الامريكي وخصوصاً الجامعات مصانع القادة والنخب, وهذا تطور واعد يمكن التعويل عليه مستقبلاً, قطعاً لن يبقى اللوبي الصهيوني جاثماُ على صدور الشعب الامريكي للابد, ولا بد ان يأتي يوماً يتحرر فيه الامريكان من هذه التبعية العمياء للصهيونية وأداتها البغيضة "اسرائيل" التي تبتزهم بمليارات الدولارات سنوياً رغم وطأة الديون الرهيبة (حوالي 37 تريليون دولار) التي يعاني منها الاقتصاد الامريكي الذي يعاني من التضخم, ويبدو ان هذا اليوم بات قريباً وقريباً جداً.  

القطار انطلق ولن تغلب حكومة شعبا مهما بلغت سطوتها، عملتنا التجارب وحركة التاريخ ان إرادة الشعب تنتصر دائما وابدأ، الامر مسالة وقت ليس إلا.

لا يصح إلا الصحيح، غير منطقي وغير معقول أقلية بالكاد تشكل حوالي 2٪؜ من اجمالي السكان تتحكم بحوالي ٩٠٪؜ من النفوذ والقرار والاقتصاد والإعلام وكافة مرافق ومفاصل الحياة الأمريكية، الشعب الأمريكي بدأ يعي ذلك ويرفضه، يمكن ببطء ولكن القطار انطلق ولا يمكن ايقافه.

 

د. سمير الددا

[email protected]

أربعاء, 26/03/2025 - 02:12