
الدولة العميقة هي التي تتحمل مسؤولية صناعة الكرتون الشعبوي الذي ينقلب غالبا لدراما حقيقية، هذا إضافة إلى الفشل التنموي والفساد.
كان المنطلق أصلا تضعيف المعارضة الوطنية الهشة لكن الواعدة قبل عقود حين كانت تضم كل الفئات دون تمايز او مشاريع فئوية (الرتق الاول ل RFD نموذجا حيث كانت اغلب القوى الوطنية بكل نخبها تنوعا تحت عنوان وطني مدني جامع)، فجعلت الدولة، سعيا منها لإضعاف ذلك التوجه الذي كاد يقلب كرسيها، تشتت وتؤسس لكيانات تفريقية سهلة التشكيل، لونية وإثنية لإضعاف ذلك التنوع المعارض الصحي المنتظم تحت لافتة سياسية وطنية، فنتج عن ذلك ظواهر شعبوية وارتجالية في احسن أحوالها، كلها كارد اخزامة خطاب وحدُ، يمَكَّن له بقدر حاحة النظام لشرعنة خانات الأرقام في الاقتراع. وستلدغ الدولة من حيث حسبت نفسها قد فككت الخطاب المعارض الوطني الهش الذي تشكل في مطلع التسعينات حتى مطلع الألفية، وسيندم المعارضون الذين أفرغوا احزابهم من مصداقيتها بأحادية الإدارة والكسل في تثقيف القواعد واستبقائها خارج المواسم (فلقد آلت لمعارضة برؤوس اشخاص ولغرض المواسم فحسب).
الدولة العميقة تريد معارضة صي والكَف ذات وجود شعبوي ولا تصل لرتبة الند تماما، لشرعنة انتخاب انظمة الفساد، يسهل شيطنتها واستفزازها، من جهة، والمشاريع الشعبوية تستغل فراغ المعارضة وميزة الوصول السهل لبعض الشعب عبر عاطفة الشريحة والاثنية (دون مشروع)، من جهة اخرى: فالتقى "شن" و"طبقة" على ماء كدر يراد للمورتانيين شربه!
كما سبق وأكدت، نحن اليوم، في محصلة مآلات مسعى الدولة الامنية السياسية المتلاعبة منذ ثلاثة عقود، أمام وضع سيئ جدا بين قطبين: الفساد والتجار والقبلية ونخب بنافة من جهة، والمعارضة الشعبوية التي لا تملك مشروع دولة ومجتمع، وبعضها خُراجات شطط وسطحية سياسية خطرة، وتملك قاعدة شعبية بتقنية العاطفة والاستفزاز التعبوي (وبالتالي تضمن كوتا دون تزوير انتخاب لكن دون مشروع وعي جامع وهي معادلة لا يعي تشويهَها للمشهد اغلب المتفاعلين).
غياب المعارضة الوطنية -بعد تضافر عوامل فشلها من داخل كيانتها وبمعول الأمن المخترق لها- التي يتآلف فيها الجميع دون تحيزات فئوية ضيقة ودون مطلبية محاصصة، يعني الكثير من المخاطر المتراكمة مستقبلا. لا معارضة وطنية حقيقية دون تنوع في جسدها واتحاد على رؤية تتجاوز سقف اللون والشريحة، معارضة لا ينظِّر لها مثقف الفئة ضيق الأفق الذي يعبُر لفضاء الوطن من خرم الفئة والشريحة.
لسنا بخير، والفراغ كبير، خاصة، ان النخب صارت جزءا من الفساد (مشاركة او صمتا وسلبية)، وأن أغلب المعارضة الشعبية الكامنة غير المسيسة -خاصة الشبابية- لا تشارك اصلا، وأبطالها نمور من ورق هنا على المنصات، ولا تستطيع التعبئة ولا فكر سياسي لديها، ولا تسجل على اللوائح، ولا تملك أدوات تأثير في الميدان (الريف والميزان الانتخابي)، ولا تمثيل لها في مفاصل الدولة، وأغلبها ينتظر "المخلص" ويتسلى بالمعارضة ويكتفي بندب الحال واغلبهم لا خبرة لهم حتى في تسيير أصغر مرفق حنفية عمومية؛ فكيف بإدارة مرحلة!
لسنا بخير، ما لم تتبلور المعارضة الشعبية الكامنة دون تلونها بالشعبوية، ويصل الوعي لمرحلة اعلى نضجا من مجرد الامتعاض والتهكم... والانتظار والفوران الاعلامي ثم الخمود، في دورة حياة مفرغة.
عبد الله ولد محمد