توجد في اللغة الحسانية، مثل كل اللغات، تباينات جغرافية وطبقية-عرقية وعمرية، وأخرى مرتبطة بالجوار اللغوي وماضي اللغات المندثرة أو المهاجرة المتحدثة سابقا في مناطق انتشار الحسانية.
وقد شكل التباين الصوتي والمعجمي بين منطقتي الشرگ والگبلة رافدا أساسيا في صياغة الثنائيات الوطنية الكبرى. وظل هذا التباين يغذي المماحكات الجهوية، وتبادل الطرفان بشأنه، كما تنبه لذلك الصحفي الفطن حبيب ولد محفوظ، "رسائل فيش" حامية الوطيس. وما يزال حتى الآن صدى سؤال المعيارية اللغوية يتردد على الفيسبوك بين 'قراء' الفريقين خاصة حول الغين والقاف.
وقد وجد أهل الشرگ في كلمة 'اصَّـاتِ' تجسيدا لـ'الغرابة' اللغوية لدى أهل الگبلة، كما ينقل حبيب، وأصروا على تطهير حسانية نواكشوط منها، وإن تخلوا في المقابل عن عبارة أو اثنتين لم يكن أهل الگبلة يطربون لسماعها مثل اشْ وخلاصْ.
لكن من أين جاءت اصَّـاتِ؟
تعني هذه العبارة، أيام كانت تستخدم، 'قبل قليل.' ولو بحثنا لها عن أصل فإن ذلك سيقودنا حتما، بحكم استخدامها في أقصى الجنوب الغربي من موريتانيا، إلى كلام زناگة. ولو نظرنا إليها مستحضرين معجم هذه اللغة ومورفولوجيتها، فإننا سنجد أنها تتكون من مفردتين هما 'أَصّْ' و'آتِ.' وتعني 'أَصّْ' يوم ويجمع على 'أوصَّنْ' أيام. وليست 'آتِ' اللاحقة بكلمة يومٍ سوى 'اسم الإشارة' 'أذ' للمفرد المذكر. ويطرد انقلاب ذال كلام زناگة تاء في الحسانية. فكلمة كوتي (كانت) تنطق كوذي، كما حررها رينيه باسيه بالحرفين العربي والفرنسي في إحدى قصصه التي جمع نهاية القرن التاسع عشر.
وبهذا يكون أصل العبارة 'أصّْ-اذْ' أي اليوم-(هذا). واليوم امتداد زمني قصير نسبيا، ووعي سكان الصحراء بالزمن لا يجعلنا نستبعد هذا التفسير.
ويكثر ورود 'أسماء الإشارة' 'أذ' للمفرد المذكر و'تذْ' للمفرد المؤنث وجمعهما 'اذْنيذْ' و'تـذْنيذْ' لاحقة بالمفردة في كلام زناگة وفي غيره من اللغات الأمازيغية كتعويض عن أداة التعريف غير الموجودة في هذه اللغات.
وتستخدم 'أصّْ-اذْ' في التحية المعروفة بكلام زناگة في قولنا تاكْ شْـكْ-نُّـونْ دَ-صَّـ-ذْ، اشحالكم اليوم؟