آخر سنة دراسية من مأمورية الرئيس... خطوة إلى الخلف.

لقد شهد قطاع التهذيب الوطني في آخر سنة دراسية من مأمورية رئيس الجمهورية أخطاء كبيرة، أسهمت في ترسيخ الانطباع الذي لا يزال متحكما في أذهان البعض عن غياب رؤية واضحة وعدم الجدية في تطبيق المشروع الإصلاحي لقطاع التهذيب الذي أطلقه رئيس الجمهورية، انطلاقا من الأيام التشاورية الخاصة بالتعليم وما تبعها من إجراءات؛ فبدل أن تكون السنة الدراسية معززة لمضي الحكومة في مشروعها الإصلاحي التعليمي، الذي انطلق بالفعل، بدا أن القائمين على العلمية التربوية حاليا في حالة ارتباك حقيقة، تنبئ عن خطأ كبير في التشخيص والمعالجة، وغياب رؤية إصلاحية استراتيجية للقطاع.

 

إن المتابع للشأن التربوي الموريتاني لا يخفى عليه ضعف أداء وزارة التهذيب الوطني في السنة الدراسية المنصرمة، وما اتخذه القائمون عليها من إجراءات، كان لها انعكاس سلبي على سيرورة إصلاح المنظومة التربوية بالشكل المطلوب، على الأقل مقارنة بما عرفه القطاع بداية مأمورية الرئيس من نشاط وإجراءات، أحيت الأمل في إصلاح قطاع عاش عقودا من التردي والتدني في المخرجات.

ومع كثرة تلك الملاحظات والأخطاء التي عرفها تسيير القطاع في السنة الدراسية المنصرمة، فإنه يمكن تحديد جملة من الأخطاء الجوهرية، والتي تجب إعادة النظر فيها عاجلا، لما لها من أثر سلبي على عملية الإصلاح.

 

ومن أبرز هذه الأخطاء:

_ إعادة توزيع البعد بشكل وقع فيه ظلم لكثير من المدرسين الميدانيين، الذين يعانون الأمرين خدمة للوطن وإرضاء لضمائرهم، فبدل أن يشعر المدرسون في الأماكن النائية بالتقدير والإنصاف، وجدوا أنفسهم محاربين في قوتهم وحق اكتسبوه لسنين.

_ خلل في توزيع المصادر البشرية، وتمثل في كثرة التحويلات وسط السنة الدراسية وكثرة المذكرات الفردية، والتي لا تحد بمعايير واضحة، تبعدها عن الوصف بالواسطة والزبونية وجعل تحويلات المدرسين سوقا سوداء، يتربح منها أولو الحظوة والقرب، وهذه التحويلات أفقدت بعض المدارس بنيتها التربوية، وأثرت على التحصيل الدراسي لتلامذتها في أوقات حساسة من السنة الدراسية في مناطق تعاني من النقص أصلا كالحوض الشرقي وكيدماغا، بينما في المقابل نجد فائضا من المدرسين في مناطق أخرى، أصبحت وجهة للمحولين.

_ تعطيل مشروع تثمين مهنة المدرس، وهو المشروع الذي عقد عليه المدرسون آمالهم، وشاركت فيه الحكومة بجميع قطاعاتها المعنية، وقد قطع أشواطا، حدد فيه الشركاء أهم النقاط التي يسعى لها منتسبو قطاع التهذيب.

 وقد تم استبدال مشروع تثمين مهنة المدرس بحوار جاف، ظهر مع الوقت أن هدفه الأول يتمثل في قتل التحركات التي عزم المدرسون على القيام بها قبيل الحملة الرئاسية الأخيرة.

_ وقد أبانت الامتحانات الوطنية عن عمق الخلل، بدءا من الإشراف على سيرها إلى طريقة إعلان نتائجها، وما تخلل ذلك من سير لعملية التصحيح وما تبعها من التعامل مع تظلمات التلاميذ، التي ضجت بها فضاءات شبكات التواصل الاجتماعي، لتجد الزخم المناسب، بعد أن تعامل معها المعنيون ميدانيا بكثير من اللامبالاة.

_ لقد كانت النتائج المعلنة مخيبة للآمال، خاصة بعد الحديث عن إصلاحات جوهرية في المنظومة التربوية وتحسن نسبة النجاح في الأعوام السابقة؛ حيث أظهرت مسابقة دخول السنة الأولى الإعدادية "كونكور" هذا العام انخفاضا في نسبة النجاح، تمت التغطية عليها بنقص مجموع النقاط التي يجب الحصول عليها لدخول الإعداديه إلى 80 نقطة في أربع ولايات ذات كثافة سكانية مرتفعة، فتم توهيم الناس بارتفاع نسبة النجاح، وهذا أمر لا يعكس حقيقة مستويات التلاميذ، بالإضافة إلى ذلك تراجعت نسبة النجاح في شهادة ختم الدروس الإعدادية "بريفه" والتي وصلت إلى مستوى متدن جدا بالمقارنة مع العام الذي سبقها.

وإن كانت نتائج البكالوريا أظهرت شيئا من التحسن في نسبتها، إلا أن ما شهده هذا الامتحان المهم من تسهيل المواضيع وتساهل مع الغش والقائمين عليه ينغص على تلك النتائج، ويشكك فيها بشكل كبير، ويفقد هذا الامتحان الوطني هيبته ومكانته.

 

لا شك أن الإصلاح فعل تراكمي، لا يأتي بين عشية وضحاها، ولكنه يتحقق فقط إذا سار بخطوات واثقة إلى الأمام، وتعتبر أي خطوة إلى الخلف عامل هدم لأي مشروع إصلاحي، وتفقد ثقة الآخرين فيه، خاصة في قطاع حيوي كقطاع التهذيب الوطني، والذي لا يزال يحتاج إلى الكثير من الخطوات الإصلاحية، حتى يقف على قدميه بشكل صحيح.

 ويشكل اختيار الرجل المناسب لقيادة ذلك المشروعي الإصلاحي أهم خطوة في قيامه وحجر الزاوية في نجاحه.

 

كليم الله ولد أحمدي

جمعة, 02/08/2024 - 08:57