أسجلُ هنا تهنئةً حارةً لكل الناجحين في امتحان شهادة ختم الدروس الابتدائية (كونكور)، ورجاءً صادقاً بالتوفيق لكل الذين لم يحالفهم الحظ هذه المرة، وإن كانت نسبتهم العالية (قرابة نصف المشاركين) مثيرةً للقلق وباعثةً على الأسى والحسرة.
غير أن النجاح والرسوب، على حد سواء، في كثير من امتحاناتنا، لم يعودَا معياراً موضوعياً لتقييم مستويات طلابنا أو لتحديد حالة منظومتنا التعليمية، وذلك لسببين: «الغش الممنهج» في مراكز الامتحان، وعشوائية التصحيح وعبثيته في كثير من الأحيان.
وقد انضاف إلى ذينك السببين سببٌ آخر في حالة «كونكور» على الخصوص، إذ أصبح امتحاناً جهوياً بامتياز، وبات متاحاً لكل مدير جهوي للتعليم أن يمنح نفسَه ما شاء من تنقيط في هذا الملف، إذ بإمكانه تقديم موضوعات سهلة للامتحان، وله أيضاً أن يعتمد معاييرَ أكثر تساهلا في التصحيح. وهذه صورة أخرى للوضع السابق الذي كان عليه التعليم في عهد اللجنة العسكرية، إذ كان يحق لتلامذة بعض الولايات دخول الإعدادية بثمانين أو حتى بسبعين أو ستين نقطة، بينما كان يحظر على تلامذة ولايات أخرى دخولَ الإعدادية بأقل من 120 نقطة!
لقد مثلت المدرسةُ الحديثةُ أعظمَ آلية في تاريخ المجتمعات البشرية لتفعيل الحراك الاجتماعي وتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد وجماعاته. وهذا أيضاً كان هدف المدرسة الجمهورية في سنوات استقلالنا الأولى، إذ مثّلت ثورةً على مدارس المستعمر الخاصة بأبناء الشيوخ والأعيان، وجسّدت حالةً جميلة من المساواة على أرض الواقع، حيث جلس ابن الوزير وابن الرئيس على طاولة واحدة مع ابن السائق وابن الحارس، وحصلا معاً على المنح الدراسية في الخارج وفق مصفوفة الأولويات والمعايير ذاتها.
وحين ننكص عن هذا المسار، وجوهره السعي إلى المساواة وتحقيق العدالة، فنحن نفرّغ المدرسة من وظيفتها الأهم، ونجرد التعليم من رسالته الأسمى!