هل هناك من رابط يربط بين المبدإ والموقف؟ أم أن كلا المفهومين مستقل عن الآخر ومختلف عنه؟ إذا كان بالإمكان أن نجيب عن إشكالين ينحيان منحيين شبه متناقضين بإجابة تسعى في اتجاه واحد؛ فإننا بوسعنا أن نقول في الإجابة المقتضبة على السؤالين أعلاه: نعم هناك ترابط وتراسل بين المبدإ والموقف؛ بقدر ما هنالك استقلال واختلاف لكل واحد منهما عن الآخر
قد تكون هناك فروق كثيرة بين المفهومين أو المصطلحين، ولكن نظرا لضيق المقام ونظرا لأنه – كما يقال – : "خير الكلام ما قل ودل" أصطفي فرقا واحدا أرى أنه بالغ الجوهرية؛ لدرجة أنني أرى أنه "ينادي على نفسه" حسب تعبير أحد الباحثين الموريتانيين في سياق مختلف؛ ذلك الفرق هو أن المبدأ يشير إلى السكون والثبوت في حين يوحي "الموقف" بالتغير والتحول... الموقف يتأسس على المبدإ وينطلق منه، والمبدأ يملي الموقف ويحدد ملامحه أحيانا
المبدأ لا بد منه؛ لأنه يعطينا هويتنا واستقلالنا وكينونتنا الخاصة، وإذا لم نؤسس مواقفنا على مبادئ نكون كمن فقد البوصلة وتاه في ظلمات لا يتبين فيها هدى ولا رشدا
إن مبادئنا هي الأسس التي ينبني عليها وجودنا، هي القيم والثوابت التي تتركب منها كينونتنا الجمعية، ومن ثم هي التي تحفظ لنا طابعنا الخاص وسمتنا المميزة، وبناء عليه فأي موقف يصدر بعيدا عنها هو منبت الصلة عن كل ما يمثل الأمة من تراث وقيم حضارية لا تقبل الانصهار والذوبان في غيرها
ولعل من المبادئ التي أومن بها وأدعو إليها ما يلي:
1 – أن لكل أمة خصوصية حضارية لا ينبغي أن تفرّط فيها إلا إذا شاءت بملء إرادتها أن تذهب في خبر كان
2 – أن الاعتراف بهذه الخصوصية من طرف الأمم الأخرى ضرورة؛ من أجل السلم والعيش المشترك الآمن على هذا الكوكب الذي سبقت مشيئة الله أن يكون مستقرا لنا جميعا
3 – أن التثاقف والحوار بين الحضارات وحتى بين الثقافات والأديان هو وحده الذي يحقق السلام، ويضمن السعادة للبشرية جمعاء (للحوار بين الثقافات والأديان ضوابط وآليات ينبغي أن تحكمها)
4 – أن الناس متساوون فليس ثمة عرق أفضل من الأعراق الأخرى، ولكن نقاءك العرقي هو صمام أمانك، والعرق – في نظري – يحل محله البعد الثقافوي؛ فثقافتك هي سنخك (أصلك)
5 – أن الظلم وانعدام تكافؤ الفرص بين المواطنين لا يمكن أن تنهض في ظلهما دولة
6 – أن الظلم يولّد الاحتقان والاحتقان يؤدي إلى الانفجار والانفجار يصلي صلاة الجنازة على ما تبقى من الدولة
7 – أن الدول تتأسس على عقد اجتماعي كما يقول روسو؛ ليس من أجل أن يحظى الحكام ومن يدور في فلكهم بالمال والنفوذ وإنما من أجل أن ينعم الجميع بالأمن والرخاء والرفاه؛ فإذا غابت هذه النقطة الأخيرة أصبح العقد الاجتماعي لا معنى له
8 – أن التفاوت اللافت بين طبقات المجتمع الواحد – إذا استمر –لا بد أن يؤول ذات يوم إلى صراع طبقي لا يدرى إلى م يؤدي؟ وصمام الأمان هو الارتكان إلى العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروات، والمساواة أمام الفرص كما أمام القانون
9 – أن البطالة في صفوف الشباب تخلق فقرا وفراغا ربما يوظفان توظيفا سلبيا فيكونان دمارا على المجتمع (حالات الغلو والتطرف، حالات الجريمة، حالات الشذوذ بمختلف أشكاله وألوانه)، ومن هنا يجب القضاء عليها ليس لمصلحة الشباب العاطلين فقط، وإنما لحماية المجتمع من شرور كثيرة أيضا
10 – أن التعليم هو المختبر الذي تصنع فيه المصادر البشرية التي ستتولى الخدمة في كل مفاصل الدولة، ومن ثم فيجب التركيز عليه كمّا وكيفا حتى يكون في المستوى المطلوب
هذه نقاط من بين أخرى تمثل بالنسبة لي مبادئ يمكن أن ينبثق عنها تصور من نوع ما؛ إذا كان عند المرء تصور أصلا!
وبخصوص المواقف (الحديث يتعلق بي) لا أريد أن أتحدث عن مواقف حول أية قضية من القضايا؛ سواء تعلق الأمر بالداخل أو الخارج؛ بيد أنني عليّ أن أبين أمرين:
1 – أجدد الرفض للاتفاقية الموريتانية الأوروبية المتعلقة بالهجرة، والتي لا يزال العمل فيها جاريا، وأرى في هذه الاتفاقية – إن تمت – إجحافا بالجانب الموريتاني؛ حيث تلزمه بمسؤوليات لا ناقة له فيها ولا جمل، وهو العاجز – في راهنه على الأقل – عن الوفاء بالحقوق الكاملة لمواطنيه الذين لا تشوب مواطنتهم شائبة
هؤلاء المهاجرون من دول أخرى وقصدوا بهجرتهم دولا أخرى؛ فما دخل موريتانيا يا ترى؟ ألأنها دولة عبور؟ طيب لنضبط حدودنا ولكن لا تجعلونا – رجاء – مكبا لنفاياتكم البشرية!
2 – أقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء السياسيين على المستوى الوطني، وأعتقد أن لكل فريق خطأه وصوابه كما هي طبيعة البشر جميعا، ولكن على حجم المسؤولية يكون حجم الخطأ أو الصواب
سيادة الوطن ومصالحه هما – وحدهما – اللذان يجب أن يسمح لهما بالإملاء فيما يتخذ من مواقف وقرارات...
الشيخ ولد باباه اليدالي