ما يزال الدور الليبي –ولا حتى الجزائري- في التخطيط لانقلاب 10 يوليو وفي تنفيذه غير معروف تماما، ويرفض من يصفون أنفسهم بالمهندسين الفعليين لذلك الانقلاب الخوض في هذا الموضوع حتى الآن، مفضلين الترويج لفكرة "أنه إذا كان هناك انقلاب في موريتانيا تم بإرادة وطنية خالصة فهو انقلاب العاشر من يوليو 1978". غير أن ذلك لا يعني أن أولئك "المهندسين" لم يكونوا على صلة وثيقة بدول أجنبية أثناء التحضير للانقلاب ولا أن بعضهم لم يتصرف لاحقا كوكيل لمصالح تلك الدول من خلال مركزه في السلطة الجديدة.
تقول مصادر الانقلابيين إن الليبيين كانوا على علم بالتحضير للانقلاب وأن أحمد الوافي كان خلال تلك الفترة على صلة بالسفير المقرحي "الذي كان أثناء الاجتماع به يشغل الراديو للتشويش على أي تسجيل محتمل للحديث الذي سيدور بينهما"! ومن اللافت للانتباه أن السفير المقرحي كان أول دبلوماسي في نواكشوط تستقبله السلطة الجديدة صبيحة العاشر يوليو وأن كلا من رئيس الحكومة الليبية عبد السلام جلود ووزير الخارجية الجزائري بوتفليقة كانا في العاصمة الفرنسية يوم 10 يوليو!
وفي يوم 18 يوليو بعث الزعيم القذافي بطائرة خاصة إلى نواكشوط لتحمل إليه وفدا من السلطة الجديدة برئاسة الرائد مولاي ولد بوخريص وعضوية كل من أحمد الوافي والمحجوب ولد بيه، وبسرعة لافتة سيواجه القذافي ضيوفه باقتراح يقضي بإعلان الوحدة بين موريتانيا والصحراء الغربية لإنهاء النزاع وبأنه مستعد لتوفير كل أشكال الدعم الضرورية لهذا المشروع. ويبدو أن مقترح القذافي لم يفاجئ كثيرا أعضاء الوفد الموريتاني لأنهم لم يجدوا غضاضة –وربما من دون الرجوع إلى قيادتهم- في القبول به من حيث المبدأ مكتفين بالمطالبة بمنحهم مهلة للاستعداد له.
وسيواجه القذافي أيضا ضيوفه –وربما دون الحاجة لأخذ إذنهم- بوفد صحراوي يتألف من الأمين العام للجبهة محمد عبد العزيز ومحمد الأمين ولد احمد، ليتباحث الطرفان وجها لوجه في أجواء عائلية تحت إشرافه. ومع أنه لم يتم الإعلان عن نتائج محددة بخصوص لقاء الطرفين، إلا أن القذافي أمر بعده بصرف مبلغ 10 مليون دولار كانت أول دعم خارجي دخل الخزينة الموريتانية بعد الانقلاب.
نفس المقترح سيواجه به القذافي أيضا رئيس اللجنة العسكرية المصطفى ولد محمد السالك خلال استقباله له في طرابلس شهر سبتمبر 1978، كما سيجمع بينه مع كل من محمد عبد العزيز ومحمد الأمين ولد أحمد، غير أن ولد محمد السالك سيرد على مطالب المسؤولين الصحراويين بضرورة الانسحاب من واد الذهب، بالموقف الذي بلورته اللجنة والمتمثل بضرورة البحث أولا عن حل شامل للنزاع.
لم يكن الليبيون وحدهم من يتابعون بكثير من العناية التغيير الحاصل في موريتانيا، فقد كان الأمر يتعلق بصراع بين محورين يريد كل منهما أن يكسب السلطة الجديدة لوجهة نظره. وهو ما يفسر حضور كل من الهادي اغديره، مستشار الحسن الثاني، والعقيد ادليمي، كبير مرافقيه العسكريين، إلى نواكشوط صبيحة الحادي عشر من يوليو للاطمئنان على نوايا الحكام الجدد، وهو اللقاء الذي ستدفع نتائجه الملك المغربي يوم 13 يوليو إلى التصريح –في مقابلة مع "مجلة باري ماتش Paris Match- بدعمه للسلطات الجديدة حتى قبل استقباله في الرباط يوم 14 يوليو لوفد موريتاني برئاسة وزير الخارجية الجديد شيخنا ولد محمد لقظف، جاء للتأكيد على أن العلاقات الموريتانية المغربية لا يمكن إلا أن تتعزز باستمرار.
أما الفرنسيون فقد بدوا منزعجين من السلطة الجديدة ومن احتمال أن تكون "ذات خلفية حموية"، ورغم أن الانقلابيين ضغطوا ومنذ اليوم الأول على السفير الفرنسي –مهددين بقطع العلاقات مع بلاده التي تملك قوة جوية في موريتانيا ضمن إطار عملية خروف البحر- إلا أن وزير التعاون الفرنسي لن يعدل من لهجته تجاه الفريق الجديد إلا يوم 16 يوليو، أي قبل يومين من استقبال المقدم أحمد سالم ولد سيدي في العاصمة الفرنسية محملا برسالة طمأنة على مستقبل العلاقات الموريتانية الفرنسية.
وبالطبع لم تكن لموريتانيا علاقات دبلوماسية مع الجزائر حينها، غير أن إعلان جبهة البوليساريو يوم 12 يوليو عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد، كان أقوى الإشارات التي انتظرها أكثر الانقلابيين تفاؤلا. وقد اعتبرت نصرا للفريق المفاوض مع الجزائريين خلال فترة التحضير للانقلاب والذي التقى أحد أعضائه (جالمحجوب ولد بيه) –بوساطة من احمد بابه مسكه- بالرئيس بومدين حين كان يخضع للعلاج في يوغوسلافيا من أجل السعي لديه للضغط على الصحراويين ليظهروا نواياهم الحسنة مباشرة بعد نجاح الانقلاب.
لقد شكل قبول هذه الدول بالانقلاب كأمر واقع والاعتراف به، نصرا باهرا للانقلابيين الذين بدا واضحا منذ الأيام الأولى أنهم لم يخططوا –أو على الأقل لم يتفقوا- على ما بعد الانقلاب. وقد يكون النصر السهل الذي أحرزوه على السلطة المدنية –المتهالكة أصلا- منحهم انطباعا خاطئا عن حجم المصاعب التي تنتظرهم فطفقوا يحتفلون بالنصر مع من شاركوهم في التخطيط للانقلاب، بينما كان محور باريس/ الرباط/ دكار قد أعلن حالة طوارئ صامتة وبدأ يتحرك خلف الكواليس من أجل احتواء السلطة الوليدة وإعادة الأمور إلى نصابها.
يتواصل