توطئة:
سلسلة "نهضة الأمم" عبارة عن مشروع مجتمعي بأسلوب التخطيط الإستراتيجي المتبع في بناء الدول والكيانات الاجتماعية مساهمة مني مع غيري من النخبة الثقافية والعلمية الموريتانية في التأطير والتأصيل لمفاهيم علمية حديثة تتجاوز أنساق وبني الحداثة المعرفية بغية انتشال المجتمع والدولة الموريتانية من براثن التخلف والجهل والمرض إلي رحاب المدنية الواسعة حيث العلم وآلياته هما المقود والقاطرة لأي مسعى تنموي يراد به تجاوز الواقع الراكد ومواكبة روح العصر شكلا ومضمونا كأبرز التحديات الوجودية في زمن العولمة المتسارع الأنفاس والمتلاحق الوتائر. حيث أدرك المخططون الاستراتجيون أن التراكم المعرفي الهائل أوجد طفرة معلوماتية كنتاج للثورة الهائلة في عالم الاتصالات التي جعلت العالم بحق قرية كونية وغيرت مفهومي الزمان والمكان التقليديين حيث قرا في وطرنا كمفهومين ثابتين ذي أبعاد ثلاث في مخيالنا الجماعي ليحل محله زمكاني افتراضي سايبيري (ذي أبعاد أربعة شديدة التداخل) يوغل في بسط نظمه وأنساقه المعرفية دون هوادة. هذا البعد الإستشرافي هو ما جعل المخططون والمسئولون عن إدارة الشأن العام يدركون أن آليات التفكير الكلاسيكي في مواجهة استحقاقات الواقع التنموية لم تعد تجدي للتصدي لإشكاليات تتجدد كل ثانية مما يستدعي تفكيرا مغايرا وطرائق مستحدثة وأنساقا شمولية صارت ميسم علوم الإناسة في آخر عقدين.
******************************
التأخر والتقدم:
تكاد تجمع الدراسات العلمية في حقول الإناسة والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس السلوكي أن ظاهرة التقدم التي تتسم بديناميكية مفرطة وتجدد لافت وظاهرة التأخر التي تتصف بالجمود والتحجر والمراوحة في ذات المكان أنهما نتاج عقلية بالمقام الأول وان وجود الموارد الطبيعية من عدمها ليست اشتراطا موضوعيا بقدر ماهي عاملاً مساعدًا في الحالة الأولي ومعول هدم في الحالة الثانية.(والاستثناء الوحيد في العالم هو الدول العربية النفطية ونيجيريا,حيث تشير بعض الدراسات الصادرة من مراكز بحثية عالمية رصينة أن العرب لو استثمروا 5% من عائدات النفط في العلم كما فعلت الصين واليابان وماليزيا لكانوا ماردا عملاقا ضمن جوقة الكبار.). كثيرون للأسف يربطون بين التقدم وتوفر الموارد الطبيعية، وفي هذا فهم سقيم لآلية التطور، فالنيجر التي تعد حاليا أفقر دولة في العالم، تعد أكبر منتج لليورانيوم في العالم، بينما ماليزيا التي كانت دولة فقيرة تجتاحها المجاعات والحروب الأهلية والأمراض والأوبئة قبل عقود قليلة،عندما تضافرت لها الإرادة السياسية مع وجود نخبة تنويرية وضعت مشروع مجتمع، عرفت كيف توفر الرساميل اللازمة لإنطاق عملية التحديث الشاملة في ماليزيا وتمكنت النخبة الماليزية في بحر ثلاث سنوات من إنشاء بنية تحتية شاملة في عموم البلاد، وفي بحر 18 سنة تحولت ماليزيا من دولة فقيرة لا موارد طبيعية لديها إلي عملاق إقتصادي يناطح الكبار! التجربة الماليزية نموذج فريد للنهوض، استلهمته العديد من الدول وحققت قفزة نوعية مثل رواندا.
الحالة الموريتانية:
يدرك الساسة والخبراء والمصلحون الاجتماعيون ورجال التاريخ أنه إبان المحن والفتن الكبري تدلهم الخطوب وتتكاثر الأنواء وتُفْقدُ بوصلة التوجيه ويختلط الحابل بالنابل ويغدو حاضر ومستقبل الوطن علي المحك حيث تتمترس كل فئة وراء قناعاتها ومسوغاتها التي تراها وجيهة وتختزل فيها الحق كله مما يفضي إلي شيطنة الأطراف الأخرى التي هي صنو المواطنة وشركاء الوطن ويغدو الخطر ماحقا عندما يستغل المكون الديني أو العرقي ضمن مسوغات التبرير الشيء الذي يقود إلي حروب مقدسة في نظر الفرقاء, تجعل المتقاتلين يقدمون علي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الفطرية والمكتسبة دون أن يندي لهم جبين! تصل في أحيانا كثيرة إلي حد القتل والتعذيب والاعتقال والقتل علي الهوية والتطهير العرقي والتهجير الجماعي دون وجه حق ويستشري الفجور في الخصومة وتنتشر ثقافة الحقد والكراهية والتشفي والإقصاء مما ينذر بمخاطر جمة تفضي في ابسطها إلي دولة فاشلة واستحالة للتعايش بين مكونات المجتمع المتناحر في ما بينه. وللأسف نري أن المجتمع الموريتاني بمكوناته الثلاث يتسم بدرجة كبيرة من القطيعة بين مكوناته مما ينذر بخطر داهم قادم إن لم نتدارك الوضع ونعي أن لب المشكلة يكمن في حالة التخلف والركود والجمود التي تمر بها دولتنا!
تخبرنا وقائع التاريخ وأحداثه أن العديد من شعوب المعمورة مرت بذات المرحلة المريرة التي تمر بها موريتانيا راهنا وأنها استطاعت أن تجتازها عندما قيض الله لها رجالات دولة استثنائيين ذووا بصيرة وبعد نظر عملوا علي جمع الناس علي كلمة سواء هي الصالح العام للوطن برمته دون إقصاء أو تهميش أو تشفي عبر الحوار والصلح وجبر الضرر وفق آليات متعارف عليها عالميا وموريتانيا ليست باستثناء.
العقلية السائدة:
في مضمار حديثنا عن مشروع مجتمع,هنا لا ينبغي علي القارئ الكريم أن يخلط بين الخطة الوطنية للتنمية الشاملة(خطة التحديث الشامل)،التي سأصفها بشيء من التفصيل في الحلقات (3,4,5، من هذه السلسلة) وبين التقدم. فتلك الخطة عبارة عن خطة استعجالية لإنشاء بنية تحتية لائقة في موريتانيا حتى ينعم المواطن الموريتاني بمكتسبات وحق العيش الكريم في القرن الواحد والعشرين(فالإحصائيات تقول أن أقل من 20% من الشعب الموريتاني هم فقط من يتمتعون بمكتسبات العصر!) أما التقدم فهو موضوع آخر يحتاج إلي تغيير عقلية الإنسان الموريتاني المتخلفة وبالتالي تغيير سلوكيات ومعوقات تشكل كوابح وعوائق جدية في وجه أي تقدم منشود، وهذا جهد جماعي ينبغي أن تشارك فيه كافة أطياف النخب الموريتانية( النخبة العلمية والثفاقية والسياسية والدينية والمالية).
أبرز معوقات العقلية السائدة في موريتانيا راهنًا:
1. عقلية الفساد المستشرية بين معظم شرائح المجتمع الموريتاني.
2. العقلية القبلية والعشائرية والجهوية.
3. الاستخفاف بقيمة العمل حيث لازالت شرائح عديدة من المجتمع الموريتاني وتحديدا البيظان تستنكف وتترفع عن الأعمال المهنية كالنجارة والسباكة والحدادة والدهان وأعمال الورش والميكانيكا وتنظيف الشوارع وتبليط الطرق وما إليها وتعتبرها مهنًا وضيعة غير لائقة وتحصر مفهوم العمل اللائق في العمل المكتبي والوظيفي والتجارة.
4. عقلية الاسترزاق السياسي.
5. الصراع السيزيفي المفتعل بين الليبراليين والإسلاميين في موريتانيا.
6. شروخ وتصدعات الوحدة الوطنية.
7. غياب روح الوطنية واعتبار الوطن كعكعة يجب اقتسامها.
8. اختزال الوطن في القبيلة أو الجهة أو المنطقة أو المدينة.
9. الهوس المرضي بتعاطي السياسة.
10. غياب العقلية العلمية الإستشرافية واستشراء التفكير الغيبي الميتافيزيقي.
11. الاستخفاف بمكتسبات العصر من تراكم معرفي.
12. القناعة والرضي بواقع الحال.
13. عدم الإلمام بالحقوق الفطرية والقانونية الطبيعية والمكتسبة للمواطن في ظل الدولة المدنية.
14. عدم إدراك المأزق الوجودي لواقع الدولة الموريتانية وبالتالي عدم إدراك وتقدير حجم المخاطر والتحديات التي تواجهها موريتانيا.
15. غياب الدولة شبه الكلي عن ساحة التأثير الفعال.
16. عدم وضوح الرؤية لدي معظم طيف الانتليجسيا الوطنية.
17. الحنين الجارف إلي الماضي حد الهوس.
18. التطرف الديني.
19. غياب ثقافة التحاور وعدم تقبل الاختلاف والتغاير حيث تستشري ثقافة الإقصاء والتهميش ويقيينية الطرح والادعاء بامتلاك ناصية الحقيقة كاملة.
20. ظاهرة العبودية التي لازال قسم من المجتمع الموريتاني يرزح تحتها. أو ما نصطلح علي تسميته في أدبياتنا بمخلفات الرق!
هذه المعوقات وغيرها الكثير لا شك أنها ستقف حجرة عثرة وستشكل تحديات جدية أمام أي مسعي حقيقي للنهوض بموريتانيا, هذا إلا إذا قامت النخبة الثقافية بدور ريادي واستباقي باستحداث ثورة مفاهيمية تطال كافة البني والأنساق المعرفية الكابحة والتي تحرم الموريتاني من التماهي مع عصره.
توجد في العالم العديد من الدول التي كانت تعيش أوضاعا متخلفة وتعاني من مشاكل جدية وخطيرة أكثر مما تعانيه موريتانيا حاليا, هذه الدول غدت الآن من أهم الفواعل الاقتصادية والعلمية في العالم مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وأندنوسيا والصين وسنغافورة.
الحصاد المر:
لن أغالي في جلد الذات أو التباكي علي الفرص المهدرة التي لم يحسن قادتنا ونخبتنا السياسية والثقافية اغتنامها لما يزيد علي نصف قرن من الزمن ولن اكتفي بالنقد والسخط والتبرم علي الواقع المتردي كما اعتادت كتابات اليوم بل سأقوم بما يفعله نظرائي من المفكرين الاستراتجيين والنخب الثقافية في العالم التي لا تكتفي بالعويل والصراخ بل تقدم الحقيقة عارية دون رتوش أو تلميع حتى وان كانت مؤلمة وقاسية ومروعة كتشخيص موضوعي ومن ثم المحاولة في تقديم تصور معرفي إجرائي قابل للتطبيق للنهوض وسبل الانطلاق في عملية تحديث شاملة كمساهمة مني في تقديم مشروع مجتمع مع غيري من مثقفي موريتانيا الذين يعيشون عصرهم ويستلهمون معطياته.
آن الأوان علينا كموريتانيين أن نقر بحقيقة مرة نأبى الاعتراف بها وأن نتوقف عن اعتبار أن ما لدينا دولة, فالتعريف الكلاسيكي للدولة باعتبارها شعب وحكومة وحوزة ترابية أضحي جزءا من الماضي فكل المعطيات والمؤشرات علي ارض الواقع تشير بجلاء أننا ومنذ ما يزيد علي نصف قرن لم نتعدى مرحلة مشروع دولة ,هذا الإقرار سيجعلنا ندرك حجم التحدي الذي يواجهنا في عالم متسارع الأنفاس ويسير بوتيرة فلكية وأن نضع الأسس اللازمة للشروع في عملية البناء والتحديث التي تأخرت كثيرا بعقلية جديدة تواكب معطبات العصر وباستخدام آليات التفكير الاستراتيجي بعيدا عن السخف والعبثية التي تطبع مسيرتنا السلحفائية.
منجزاتنا طيلة ستة عقود ونصف من نشأة الدولة الموريتانية تقدم حقائق صادمة ومروعة حيث وبالاستعانة بالإحصائيات الشحيحة حول موريتانيا نجد أن:
• نصيب الفرد من الناتج الداخلي 1110 دولارات أمريكية.(الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 2800 إلي 6700 دولار أمريكي).
• تبلغ نسبة الفقراء في موريتانيا 46% ﻣــﻦ السكان وهو الأعلى عربيا والتاسع عالميا.
• يعيش حوالي 20 ٪ من السكان على أقل من 1.25 دولار في اليوم. (الحد الأدنى عالميا للحياة الكريمة اللائقة بالبشر يتراوح من 5.12 إلي 8.70 دولار أمريكي).
• يرزح 10 ٪ إلى 20 ٪ من سكان موريتانيا تحت حياة العبودية بصورة من الصور أي من 340,000 إلي 680,000 نسمة. وهي الأعلى عالميا
• موريتانيا ضمن دول القائمة السوداء لعمالة الأطفال (16 دولة) حيث تشير الإحصائيات غير الرسمية للمنظمات الحقوقية العاملة في موريتانيا إلي أن من 8% إلي 27% من الأطفال تحت سن 12 يجبرون علي ممارسة أعمال لا تتناسب مع أعمارهم.
• تحتل موريتانيا المرتبة 48 في قائمة الدول 66 المتاجرة بالبشر والوجهة المفضلة هي الخليج العربي.
• موريتانيا تملك مساحات أراضي زراعية تقدر بنصف مليون هكتار أي نحو مليون ونصف مليون فدان، منها 137 ألف هكتار تروى بمياه نهر السنغال ونحو 240 ألف هكتار تروى بمياه الأمطار أما الباقي فيروى بمياه السدود، يعمل في القطاع الزراعي نحو 60% من إجمالي القوى العاملة الموريتانية مع ذلك فموريتانيا تستورد 70% من حاجاتها من المواد الغذائية!(للعلم نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية تكفي لإطعام 12مليون شخص بالطرق البدائية و35 مليون باستخدام الطرق الزراعية الحديثة).
• تمتلك موريتانيا 18مليون رأس من الماشية ومع ذلك لا تمتلك صناعة حقيقية قائمة علي هذا المصدر.
• تمتلك موريتانيا 2.4 مليون نخلة تشكل نسبة 3.4% من نخيل العالم، ومع هذا لا توجد صناعة قائمة علي هذا المنتج ولا تصدر موريتانيا التمور للأسواق الخارجية في حين أن تونس التي تمتلك 1.76 مليون نخلة، تصدر 35% من تمورها للأسواق الخارجية تدر عليها ضعف ما يدره خام الحديد علي موريتانيا( أحد أهم مصادر الدخل في موريتانيا).
• حسب تقرير لجنة الخبراء السنوي رقم LCTU67893 في المنظمة الدولية للسياحة الصادر في 23 أكتوبر 2012 أن موريتانيا تمتلك كل المقومات لتكون الدولة الرابعة عالميا في مجال السياحة الصحراوية (للعلم عائدات السياحة الصحراوية في الدولة رقم 5 عالميا (الأردن) هو 3.1 مليارات دولار سنويا أي سبعة أضعاف عائدات حديد موريتانيا).
• في موريتانيا 713 صحيفة ومجلة المرخص منها 390 (للعلم في سوريا 194 صحيفة ومجلة منذ العام 1830 و حتي العام2011 وعدد سكانها يزيد علي العشرين مليون نسمة).
• في موريتانيا 34 حزبا سياسيا(للعلم في الولايات المتحدة 6 أحزاب الفاعلة منها حزبان فقط).
• موريتانيا وبعد 69 سنة من الاستقلال لا زال 5% من سكانها بدو رحل.
• 12% من سكان موريتانيا لا يتمتعون بسكن و 88% الباقية يسكن 79% منهم في مساكن غير لائقة ولا تتوفر علي ابسط سبل العيش الكريم.
• استهلاك موريتانيا السنوي من الكهرباء 230,6 ميغاوات (للعلم يستهلك قطاع غزة وهو تحت الحصار الخانق للإحتلال الصهيوني، 450 ميغاوات).
• 18.8% فقط من الموريتانيين يتمتعون بخدمات الكهرباء.
• الأسر الموريتانية التي تحصل علي خدمات الماء الصالح للشرب 43.7%.
• موريتانيا تصدر متوسط 95 ألف طن من السمك سنويا إلي الأسواق الخارجية، يدر عليها 303 مليون دولار في حين أن ماليزيا التي تنتج 37 ألف طن سنويا يدر عليها 4 مليارات دولار(لأن ماليزيا تبيع فقط 40% من إنتاجها كخام، يذهب معظمه إلي السوق المحلية، و60% يتم تصنيعه). بينما موريتانيا تبيع كامل إنتاجها خام!
• موريتانيا التي تعتبر احد الدول المصدرة للسمك لا تتوفر علي صناعات سمكية حقيقية.
• يبلغ إنتاج موريتانيا من خام الحديد 12 مليون طن سنويا وبعائدات سنوية تتراوح من 435 إلي 550 مليون دولار أمريكي في حين أن مصر التي تنتح اقل من مليوني طن سنويا تتحصل علي عائدات تفوق مليار دولار أمريكي(لأنها تصنع كامل إنتاجها، عكس موريتانيا التي تبيع كامل إنتاجها خام!).
• تحتل موريتانيا المرتبة 150 عالميا بعد فلسطين في قائمة الطرق المعبدة في عموم البلد بـــــ5,147 كيلومتر من الطرق المعبدة, أنشأ 46% منها في حقبة الرئيس الراحل المختار ولد داداه (للعلم مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة 6,247 كلم مربع) مساحة موريتانيا تعادل 166 ضعف مساحة غزة والضفة الغربية! ويبلغ طول الطرق المعبدة في مالي 18,709 كلم وفي النيجر 18,550 كلم.
• تحتوي موريتانيا علي أهم المعادن التحويلية كالحديد والنحاس والجبس والذهب ومع هذا لا يوجد بها مصنع واحد قائم علي هذه الخامات.
• الأمية تصل في موريتانيا إلي أرقام قياسية حيث43% من السكان يقعون في هذه الخانة.
• متوسط العمر في موريتانيا 51.24سنة للذكور و55.85 سنة للإناث وبهذا تحتل موريتانيا المرتبة 187 في قائمة دول العالم البالغة 221 دولة.
• ميزانية موريتانيا لهذا العام (2019)، والبالغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة هي 1,37 مليار دولار وهذه الميزانية بالكاد تعيل ربع مليون نسمة في ظروف تقشف صارمة.
• ميزانية موريتانيا 1,37 مليار دولار أمريكي، تعادل 54 مليار أوقية جديدة، وفق ما هو منشور علي موقع وزارة المالية، فإن 37 مليار أوقية جديدة هي عائدات ضريبية! أي أن 69% من الميزانية عائدات ضريبية! بمعني أن الحكومة الموريتانية تعيش وتقتات علي ظهر المواطن!
• عدد المستشفيات الكبيرة في عموم موريتانيا 2 والعيادات المجمعة 1 وعدد المستشفيات المتخصصة 4(مستشفي إمراض القلب ومستشفي الإمراض النفسية ومستشفي السرطان ومستشفي الأم والطفل ) وكلها بدائية وخدماتها من فئة F-.
• عدد الأطباء المتخصصين 220 وعدد الأطباء العامون 300 وعدد العاملين في القطاع الصحي 1200 طبيب وممرض وفني بمعدل طبيب لكل 10,000 نسمة وهو المعدل الأدنى عالميا وقد حددت منظمة الصحة العالمية بان الحد الأدنى لتوفير خدمة الكفاف الطبية هو 23 طبيب لكل 10,000 نسمة.
• يبلغ عدد المدارس 4,189 مدرسة في موريتانيا. 6 منها فقط تنطبق عليها مواصفات المدرسة بمعايير العالم الثالث.
• تبلغ نسبة البطالة 33% من القوي العاملة 95% منها شباب.
• 5000 من العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا وحوالي 1000 منهم من حملة الماجستير والدكتوراه.
• موريتانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك شبكة صرف صحي في جميع المدن والقري والبلدات، بما فيها العاصمة نواكشوط!!!
لغة الأرقام أعلاه تقدم حقائق صادمة ومروعة عن حجم الهشاشة وإهتراء ما يسمي بالدولة الموريتانية ويؤشر إلي غياب شبه كلي للخدمات الضرورية لأي تجمع حضري مما يعني أن عدم الإحساس بهذا المأزق الوجودي لدي النخبة السياسية والثقافية لدليل واضح أن أزمة موريتانيا هي أزمة مجتمع بالمقام الأول وليست أزمة سياسات حكومية آو برنامج سياسي انتخابي.
تساوقا مع ما ورد أعلاه أري أن حرص المعارضة وجل النخبة السياسية علي التركيز علي الشأن السياسي كالتداول السلمي للسلطة والانتخابات والدستور تعتبر ضرب من الترف الفكري وخبل في الفكر وشطط تأباه الفطرة السوية, فمجتمع يعاني غالبيته من الفقر حد العوز والحرمان والجهل وتحاصره الأمراض من كل حدب وصوب لا يمكن أن يحل مشاكله بالديمقراطية التي في ظل العقلية السائدة المتخلفة ستمعن في تجذير تخلفه. ما تحتاجه موريتانيا هو طبقة سياسية جديدة ذات فكر استراتيجي تدرك آليات وسبل بناء الدولة في عصر العولمة بفكر مغاير لما هو موجود والعبء هنا يقع علي النخبة المثقفة التي ينبغي عليها أن تشعر الشعب الموريتاني بخطورة الوضع الكارثي.
موريتانيا تحتاج لمن يدرك إنها في أمس الحاجة إلي خطة مارشال مستعجلة لانتشال المجتمع من وهدة التخلف والجهل والمرض والفقر, موريتانيا تحتاج إلي رجالات دولة أفذاذ من طراز مهاتير محمد ولي كوان يو وبول كاغامه يتسلحون بالعلم ويضعون خطط تنموية بآماد زمنية محددة مع توظيف كل السبل المتاحة لتوفير الرساميل اللازمة للتنمية دون إبطاء.
القنابل الموقوتة كالتطرف الديني وإنجرار شريحة عريضة من الشباب وراء الجريمة المنظمة وعالم المخدرات والشرخ الذي يزداد اتساعا مع الأيام للوحدة الوطنية مرده انسداد الأفق وغياب مشروع مجتمعي يلتف حوله كافة مكونات المجتمع الموريتاني. غياب الدولة وتقاعسها عن أداء واجبها تجاه المواطنين هو المسئول عن ظاهرة التسول السياسي حيث استشري الفساد وتدني حس الانتماء إلي الوطن وفقدان بوصلة التوجيه لدي الشباب والناشئة.
سبل الحل:
عندما استمع إلي خطب الرؤساء الموريتانيين وأتتبع سياساتهم علي المستوي التنموي أحس وكأنهم لا يفقهون كثيرا في السياسة وأنهم يتصرفون بعقلية شيخ القبيلة في العصور الغابرة ويعتصرني الألم والقهر عندما استمع لسياسيينا معارضة وموالاة فأحس وكأنني أمام أجداث محنطة فغياب الرؤية وعدم إدراك حجم المأساة والتكالب علي المناصب واعتبار الوطن كعكعة يجب اقتسامها كلها مؤشرات تنم عن مدي تخلف طريقة تعاطيهم مع الشأن العام.
عندما استمع لسياسي موريتاني أو مثقف يتحدث أحس وكأن عجلة الزمن توقفت عند ثمانينات القرن المنصرم.
********************************
منطق التخطيط الاستراتيجي يقول بجلاء أننا أمام مجتمع يحتاج لبنية تحتية كاملة وعلي كافة الأصعدة فكيف السبيل إلي ذلك؟.
لابد من تكوين خلية أزمة مكونة من اختصاصيين موريتانيين في كافة الشؤون التنموية وهم كثر في المراكز البحثية العالمية ومنهم من يساهم بفعالية في تحديث مجتمعات أخري تقر بموهبتهم وتقدر عقولهم النيرة، وفي أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية واليابان والصين وماليزيا استراليا ودول الخليج العربي مئات من الباحثين الموريتانيين ومن العيار الثقيل هؤلاء هم من سيبنون موريتانيا حقا لأنهم عايشوا عالم اليوم المتسارع الوتائر واللاهث في سباق محموم لا هوادة فيه.
أولا : تحديد سلم الأولويات.
ثانيا: ضرورة القيام بدراسات مسحية استقرائية للوقوف علي الاحتياجات والمتطلبات ووضع خطة استعجالية سقفها سنتان وأخري مداها 5 سنوات.
ثالثا: سبل توفير الرساميل اللازمة لإنشاء البنية التحتية المطلوبة، أي خطة التحديث الشاملة التي تشمل كافة مدن وقري وبلدات الوطن دون استثناء.
رابعا: حملة تحسيس شاملة تستهدف إشراك كافة مكونات المجتمع في عملية البناء.
سلم الأولويات
بالنسبة لدولة سكانها 3.5 مليون نسمة ومساحتها تفوق المليون كلم مربع وتحتاج لبنية تحتية شاملة علي كافة الصعد فإن سلم الأولويات ينحصر في:
1. قطاع الصحة.
2. الزراعة.
3. الإسكان.
4. التعليم.
5. الكهرباء والمياه.
6. المواصلات والطرق.
7. الخدمات البلدية.
8. الصرف الصحي والنظافة.
9. الإدارة.
10. الشرطة.
11. القضاء.
12. علاقة المواطن بالموظف الحكومي.
13. الحالة المدنية.
14. الجاليات في الخارج.
15. الدبلوماسية الخارجية.
تفاصيل خطة النهوض الشامل( المتطلبات والاحتياجات) سنتناولها في الحلقة الثالثة
...................... يتبع في الغد إن شاء الله.
د.الحسين الشيخ العلوي
5 سبتمبر 2019 / تونس
[email protected]