مثل التعاطي مع الملف الصحي لرئيس الجمهورية السابق نموذجا جديدا في إدارة الشأن العام ،لما طبعه من مؤسسية وحكمة ومسؤولية وطنية وأخلاقية ،شكلت معلما جديدا من معالم المرحلة يؤكد القطيعة مع عهود الفردانية والشطط في استعمال السلطة والخضوع لنزوات التشفي وغوايات التحريض .
وستحاول في هذه العجالة لفت الإنتباه إلي ملامح هذا التعاطي المؤسسي أو التذكير بها على الأصح ،
نقف أولا عند التعاطي الإعلامي مع الحالة الصحية للرئيس السابق شفاه الله وشفى جميع مرضى المسلمين ،فمع اصطحاب كون ملف الرئيس السابق في عهدة القضاء وأن المعني في وضعية حبس احتياطي ويخضع حاليا للعلاج ،فسنلاحظ أن التصريحات الرسمية المتعلقة بحالته،ينبغي أن تصدر فقط عن الجهات المخولة، أي : الفريق الطبي المعالج أو عند الاقتضاء قطب التحقيق أو لفيف دفاع الطرف المدني أو مؤسسة الحبس الاحتياطي وأن ينأى الجهاز التنفيذي بنفسه عن الجدل في الملف،وهو ما تم فعلا ،باستثناء ما صدر عن الناطق الرسمي باسم الحكومة ،والذي لم يتجاوز حدود تمني الشفاء الكامل والعاجل للمعني، مع التأكيد على الاهتمام الكبير بالملف ، والتوجيه الحاصل بتقديم أعلى رعاية طبية ممكنة، والاستعداد المستمر للتكفل الكامل بالعلاج طبقا لما يوصي به الأطباء، كون الملف في عهدة القضاء ؛-
الملمح الثاني ظروف الرعاية الصحية :منذ اللحظات الأولى لمرض الرئيس السابق أبرزت القطاعات المعنية الجدية والمسؤولية المطلوبة مع الإهتمام الكبير بالملف ومتابعته على أعلى المستويات والتوجيه بتوفير أحسن رعاية ممكنة للمعني، وتحمل الدولة لما تم من علاجات واستعدادها لتحمل أية علاجات إضافية أخرى،و تمكين المعني من اختيار الطبيب المعالج، واحترام مطلق لإرادة المعني فيما يتعلق بحيثيات العلاج،و تعبئة فريق طبي من أحسن المتخصصين في البلد، نقل المعني إلى المستشفى العسكري الذي يتعهد عادة بعلاج رؤساء الجمهورية سواءا من كان منهم في الحكم أومن تقلده في السابق، والتكفل بالمعني في الجناح الرئاسي بالمستشفى العسكري وإحاطته بأحسن ظروف الرعاية الطبية،، وزيارة المعني من طرف أسرته ومحاميه،مع الاتباع الحرفي لتوصيات الفريق المعالج مما تجسد في نقل المعني إلى مستشفى القلب لمواصلة العلاج، واحترام مطلق لإرادة المعني بخصوص العلاجات المقترحة من طرف الفريق الطبي في مستشفى القلب، مع التقيد الحرفي لرأي الفريق الطبي بخصوص فترة المكوث في المستشفى بعد العملية ( رغم زيادتها على المعدل المألوف في هكذا عمليات) ، والتعاطي الإيجابي مع توصيات الأطباء في ظروف الإقامة بعد الخروج من المستشفى بما يضمن ما يكفي من الراحة والمتابعة ؛
وإذا كان التعاطي الرسمي قد استحق الإشادة فإن تعاطي الفريق الطبي وما صدر عنه من أداء مهني وتعاطي إعلامي يستحق الإشادة ،كما أن إدارة كريمة الرئيس السابق للملف وبيانها بتاريخ 2 يناير 2021 وبيانها الأخير والذي بينت فيه الحقيقة بصفة جلية وقطعت الشك باليقين ؛ تمثل هي الأخرى نموذجا إيجابيا وأصيلا ومسؤولا.
ومع احترامي الشديد لدور المحامين وتفهم طبيعة أدوارهم ،لكن خرجات فريق الدفاع كانت ملكية أكثر من الملك و تتناقص تماما مع تصريحات الأسرة ممثلة في كريمة الرئيس السابق وبيان الأطباء المعالجين ؛إن المقاربة التصعيدية المتبعة من طرف دفاع الرئيس السابق فيها ما يقال بخصوص التسييس والتجييش وضمور ضوابط المهنية والموضوعية ، ولم تخلوا من تلاعب بمشاعر الرأي العام واستغلال الوضعية الصحية والإنسانية للمعني من أجل كسب بعض النقاط فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة من طرف القضاء.
وعموما يمكن القول أن التعاطي مع الملف الصحي للرئيس السابق عكس إدارة ايجابية ومسؤولة لدى مختلف الأطراف المعنية ، بما يعبر عن أصالة شعبنا وطموحه في التأسيس لدولة القانون .ويبقى الملف بيد القضاء وهو وحده صاحب الكلمة الفصل في تقرير مصيره بناء على مايراه من معطيات صحية أو تقديرات خاصة .ونرجوا أن يوفقهم الله لما فيه الخير .