الأنباء بشرتنا بشفاء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، واستمعنا إلى تأكيد كريمته لذلك بعد أن التقت به في المشفى.
فالحمد لله وحده، نسأله سبحانه أن يديم عليه الصحة والعافية وييسر له من أمره مخرجا عادلا له ولدولته وشعبه.
وبعد هذا من الجدير بالملاحظة أن وعكة الرئيس السابق أظهرت مع الأسف أننا ما زلنا بعيدين من فهم الشأن العام وتقدير أموره، ولا نكاد نعتبر أن مصلحة الدولة وإقامة العدالة هي الضمان الحقيقي لمصالحنا الخاصة.
فلقد أثار هذا الحدث كثيرا من اللغط والخلط بين العواطف والمصالح، وبين المشاعر الإنسانية والمظالم القانونية...
تمني الشفاء لأي شخص والتضامن معه ومع أحبابه في محنته الشخصية؛ سواء كانت مرضا أو مصيبة ـ لا قدر الله ـ هي مشاعر إنسانية وإسلامية نبيلة وواجبة، ولكنها لا تحل حراما ولا تحرم حلالا؛ وبالتالي لا ينبغي أن تؤثر على الوضع القانوني لأي شخص، ولا أن تبطل حقوقه أو الحقوق عليه.
وقد رأينا في هذا الحدث على هذا الفضاء من المواقف والدعوات والشائعات ما يحير الأذهان, من تجاوز كل ذلك وتجاهله; لأجل الضغط على السلطة والعدالة، وبواسط رسائل وأشخاص ينتهزون هذا الوضع لتحقيق مصالح سياسية وربما مادية من خلال الخوض الباطل في ملف القضاء نفسه.
هذا رغم أن تعاطي السلطات والقضاء مع هذا الحدث، كان مسؤولا، تميز بالتجاوب السريع والعناية الفائقة، رغم كل ما قيل وأشيع من طرف المحبين والانتهازيين على السواء، من شائعات وادعاءات تجاوزت أحيانا ما تسمح به الأعراف والأصول السياسية والاجتماعية في مجتمعنا...!
والحقيقة القاهرة هي ان ملف الرئيس السابق القضائي ملف معقد جدا، ويتطلب حسمه بالعدالة والإنصاف كثيرا من الجد والصبر والانتظار...
إننا ينبغي الا تنسينا هذه التطورات المؤسفة مثلا أن معظم الرؤساء الموريتانيين السابقين، بمن فيهم المدنيان: (المختار, وسيدي), قد تعرضوا للسجن في ظروف أقسى وأصعب وأبعد بكثير... ولم يكن من بينهم متهم بالفساد أو الإثراء غير المشروع!!
وربما لولا الحرية التي تمتع بها الرئيس محمد عبد العزيز وسمحت له بقيادة حملة إعلامية وقانونية نشطة، هي التي ميزت سجنه عن سجن أسلافه الذين تعرضوا لقلب حكمهم بالقوة، خلافا له هو.
وحري بالتذكير أن الطريقة الانقلابية التي جاء بها السيد ولد عبد العزيز للرئاسة, وفرض بها نفسه على الناس بالقوة أولا ثم بتبعاتها بعد ذلك, "تطرح عليه العار" أدبيا وعدلا أن يكون مثاليا في ممارسة السلطة والإصلاح, والتعفف عن منافعها الشخصية... فهل كان ذلك كذلك؟
ولعل أكبر مردود إعلامي سيخدم الرئيس السابق بسهولة وتلقائية، هو إخفاق سلفه، الرئيس الحالي، في إدارة شؤون الدولة وتحقيق الأهداف الطموحة التي وعد بها، وتوطن المفسدين في قلب نظامه وأطرافه...
ومهما يكن من أمر فالحاصل أن علينا جميعا، بمن فينا المحبون المخلصون لفخامة الرئيس محمد عبد العزيز، أن نبتعد عن أمرين جوهريين خاطئين:
1- الخلط بين المشاعر الإنسانية، وبين إقامة العدالة ورد المظالم والغلول؛ فهما أمران مختلفان لا ينبغي أن يؤثر أحدهما على الآخر ولا أن يربط به ربطا.
2- اعتبار أن وجود فاسدين مفسدين وناهبين خارج قبضة العدالة ومحاسبة السلطة المختصة - وهو ظلم وتقصير وتمييز إجرامي - فيه تسويغ وتبرئة لأي طرف آخر متهم, أو أنه يعفيه ويسقط عن كاهله المساءلة والمحاسبة ورد الحقوق والعقاب العادل.
وتبقى الحقيقة الخالدة قائمة; وهي أن "الدولة لا تستقيم على الظلم" أبدا... كل الظلم...