يعتقد الكثيرون أن مامر به مجتمعنا من ظلم في تاريخه وما نعيشه اليوم من مظاهر سلبية تتجلى في الصور النمطية والعبارات الجارحة والمشينة التي يعج بها موروثنا الثقافي والتراتبية التي تعشش في أذهان الكثير من أبناء مجتمعنا والدعوات الشرائحية والقبلية والفئوية، أنها ستزول وتندثر مع الوقت ومع تغير الوضعية الإقتصادية للبلد ولأي أسرة أو فرد، وهي بنظري نظرة سلبية تترك التغيير للوقت متجاهلة ان جهود الإنسان هي التي تدفع الأمور وتختصر الوقت والجهد وتحقق النتائج في أسرع الأوقات.
ولا يختلف اثنان اليوم على ان بلدنا ومجتمعنا يشهد تجاذبات منذ فترة من الزمن، تتجسد في شعارات بالرفض التام للجانب المظلم من تاريخنا الثقافي والاجتماعي وهي محقة في ذلك تماما، فنحن نعيش تحت ظل دولة يحكمها القانون وتضمن الحقوق وتفرض المساواة والعدل بين جميع ابنائها.
وقد جاء خطاب رئيس الجمهورية في وادان قويا وصارما زمكانيا، حيث يقول: << ..... ولقد آن الأوان ان نطهر موروثنا الثقافي من رواسب ذلك الظلم الشنيع وان نتخلص نهائيا من تلك الأحكام المسبقة والصور النمطية التي تناقض الحقيقة وتصادم قواعد الشرع والقانون وتضعف اللحمة الإجتماعية والوحدة الوطنية وتعيق تطور العقليات وفق ماتقتضيه مفاهيم الدولة والقانون والمواطنة>>.
نعم لقد كنا بحاجة الى خطاب قوي من رئيس الدولة يتجسد فيه الإنصاف والعدل والرفض القاطع للجانب السلبي من موروثنا الذي يجب ان نتعرض له بقوة وحزم تماما كما نحتفي بالجانب المشرق منه، ولعلها المرة الأولى في تاريخ بلدنا التي يعبر فيها رئيس الدولة عن الألم والحزن بسبب المظالم التاريخية التي تعرضت لها بعض مكونات المجتمع والتي مازالت تلقي بظلالها على مسيرتنا المتعثرة،
يقول رئيس الجمهورية: << إن مايحز في نفسي كثيرا ماتعرضت له هذه الفئات في مجتمعنا تاريخيا من ظلم ونظرة سلبية مع انها في القياس السليم ينبغي ان تكون على رأس الهرم الإجتماعي فهي في طليعة بناة الحضارة والعمران وهي عماد المدنية والإبتكار والإنتاج>>.
لقد شاركت جميع مكونات مجتمعنا بجهودها الجبارة في تعمير واعمار هذه الأرض ومن الضروري والواجب تثمين هذه الجهود جميعا ودون تمييز او انحياز، فمن الحيف ان نختزل مجد الوطن وخدمته في من حمل كتابا او مدفعا يوما دون ذكر اللذين حفروا آباره وزرعوا ارضه وصنعوا أسلحته وأكل الجميع من عرق جبينهم، يقول رئيس الجمهوريةعن مدينة وادان: << ....لقد إستطاعت هذه المدينة على مدى حقب متتالية ان تكون مركزا اقتصاديا نشطا.........ومصدر اشعاع حضاري واسع الإنتشار بفضل عبقرية علمائها.......وكذلك بفضل القدرات الإبداعية الفائقة لأبنائها القائمين على مختلف الخدمات من صناعة تقليدية وتنمية حيوانية او زراعية وتشييد عمراني وغير ذلك، فهذه الفئات هي التي مكنت من قهر الظروف الطبيعية القاسية ولولا جهودها الأسطورية ماتشكلت المدينة أصلا>>.
لقد حز رئيس الجمهورية في المفصل وكانت كلماته واضحة وقوية وتعبر عن إرادة صادقة وألم عميق لما يخيم على مجتمعنا من انتشار للعقليات الفاشلة.
كان خطاب دولة وخطاب قائد وخطاب مصلح، وقد لقي صدى ايجابيا لدى الرأي العام وبعث الأمل من جديد مما يؤسس لتوجه جديد وتفكير عميق يجب ان يطال كل التابوهات التي تشل وتعطل بناء الدولة المدنية، دولة القانون والمواطنة.
لقد شكلت مضامنيه إلتزاما قويا ولبنة مهمة، حيث يقول الرئيس : <<....وأود بالمناسبة تشديد التأكيد على أن الدولة ستظل حامية للوحدة الوطنية والكرامة وحرية ومساواة جميع المواطنين بقوة القانون وأيا تكن التكلفة، كما أنها لن ترتب حقا أو واجبا على أي إنتماء إلا الإنتماء الوطني>>.
نعم سيدي الرئيس هكذا يجب ان تكون الدولة في الأقوال والأفعال، وهكذا يجب أن نكون نحن ابناء الدولة، لقد رميتم حجرا كبيرا في بركة آسنة تزكم الأنوف وتؤذي الجميع، ورفعتم السقف عاليا ووضعتم الأصبع حيث الألم والأمل ودعوتم الى الإنصاف والعدل وهي لعمري مفاهيم اكبر من كل الماديات، لقد انصفتم فليس بالخبز وحده توزع العدالة.
إن هذا الوطن الذي لا وطن لنا غيره يستحق جمع جهودنا في جو ملؤه الوطنية والعدالة والمساواة والإنصاف وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
الدكتور المصطفى فاتي