تقول حكاية من حكايات مدينة من مدن الداخل أن هناك رجل زاهد وكادح كان يصر على أن لا يلج جوفه غير عمل يده، فلا يشرب ولا يأكل من غير مجهوده، وزيادة على ذلك، كانت له عادة، علم بحقيقتها بعد وفاته، حيث كان يقوم كل ليلة بوضع بعض السكر والشاي والأكل أمام أحد منازل الحي الذي يسكن، فمرة يكون النصيب لأسرة ضعيفة الحال وتارة لأسرة متوسطة وأحيانا لأسرة غنية وهكذا، المهم، ظل الشيخ طوال حياته يقوم بتلك العادة، دون أن يُعرف صاحب الفعل، وحين توفي انقطعت تلك العادة، فعرف الجميع من يكون.
الرجل وحكايته وزهده وإصراره على العمل وأن يكون مطعمه من جهده الخاص وحبه للخير وتفضيله للاختفاء، تتكرر في هذه الأرض، حيث يتواتر الحديث عن حكايات لناس فضلوا الكدح ومساعدة الغير والتواري قدر المستطاع، وما حكاية الشيخ الصوفي الوقور والزاهد، العارف بالله الشيخ البشير إلا مثال من أمثلة كثيرة، فقد لعبت الصدفة دورها في أن يعلم الجميع بقصته دون قصد منه ويضج موقع فيسبوك بنقاش حكايته وتتجاوز تفاصيل قصته حدود بلده، ليعرف العالم حكاية الشيخ المنزوي الذي يدرس الطلاب ويقتسم معهم علمه ويتكسب من بيع الماء، ويرفض أي معونة من قريب أو من أي نظام، ويفضل الكسب بيده والجود بما عنده مع من يعرف.
ففي بقعتنا كما في أي بقعة من العالم، هناك كواكب من الزهد، تتنقل في الشوارع وتغمر قلوبها السكينة وينظر لها البعض بنوع من الشفقة، وهم في الحقيقة من يشفقون على غيرهم لأنهم يعيشون في عوالم من الزهد والسمو لم يصلها غيرهم، فهم قد غادر التعلق بالدنيا وبهرجها قلوبهم منذ زمن، ووصلوا للب الاستغناء.
وتعاطفنا مع مثل هؤلاء أو تصويرنا لهم وسرد حكاياتهم يجب أن يكون بإذنهم وبمشورتهم، فليس كل شيخ مسن يعمل أو يكدح يبحث عن من يساعده أو يطلب صدقة، وقبل تصوير أي شخص بشكل خاص وواضح والكتابة عنه من اللازم أن نتحدث معه.
ومن يريد أن يساعد الناس يمكنه فعل ذلك دون صخب ولا صور ولا حملات، أما استخدام قصص الضعفاء لتسويق دعايات سياسية معينة فتلك جريمة.
وأيضا، من تزعجه مشاهد تواجد الكهول في الشارع وهم يعملون، وهم كثر وقصصهم تختلف، فليناضل من أجل تحسين ظروف المواطنين بشكل عام، فحل مشاكل مواطن واحد من ضمن آلاف ليس هو الطريق القويم بل قد يكون له آثار سلبية ويحدث بعض الشروخ بين المواطنين، هذا إن حدث حل في الأصل، فغالبا تكون نهاية الحكاية صورة مع الشخص المعني ولا أجزاء أخرى لها.