ولد غزوانى حكم البلاد أقل من سنتين صحبة طاقم معروف،فطالب عبر مشروع قانون، بأن لا يسمع مساسا بشخصه المصون و وضعه فى مقام المقدسات،و جاء وزير عدله،و صرح،من الآن فصاعدا،ستقوم النيابة مباشرة دون حاجة للشكوى باستجلاب المتهم أمامها،لكنهم اكتشفوا أن المصعد أصعب و أعقد جانبا،فالحرية لها من يحرص على المنافحة عنها، بشتى الصيغ و الأساليب.
و لعل الإشكال سهل الحل و الفك،لمن أراد،فالنقد ضرورة و مصلحة للنصح و محاولة رفع مستوى الأداء العمومي.
أما تعطيل أو حصار منابر الحرية فمستحيل،و استخدام الأساليب فى التعبير،غير اللائقة،فلا تخدم الهدف أصلا.
موريتانيا ستظل تشهد مستوى رفيعا من الحزم تجاه الشأن العمومي،من حيث النقد و إظهار نواقص أداء المسؤولين فى مختلف المستويات و الميادين،و نرجو أن يتلازم ذلك مع رقي الأسلوب و توازنه.
و على أرض الواقع لم تختفى بعد ممارسات و نذر التضييق المتنوع،ضد الذين يعبرون عن آرائهم بجرأة و حكمة،و ما زالت الحكومات المتعاقبة فى أغلبها، تقرب البعض،تبعا لمعايير مزاجية تمييزية،بعيدة عن المساواة و تكريس سعة الصدر للجميع.
و مهما تكن دعاوى ديمقراطية الحكومة الراهنة،فالواقع بعيد من ذلك،فالذين يتكلمون و يعبرون بحرية،فى نظر دهاقنة النظام القائم،من مسؤولين كبار،مدنيين أو عسكريين،هم أساس و مقدمة اللائحة السوداء من المستحقين للحرمان و التضييق،و نظام غزوانى بهذا المفهوم،ليس ديمقراطيا البتتة، و لا يساوى بين المواطنين الموالين و المعارضين أو المتحفظين على بعض ممارسات النظام،و بهذا المعنى،يقول لسان الحال،بأن الديمقراطية و حرية الصحافة أو التعبير،مجرد فخ!.
فلك أن تعبر بحرية،و قد تنجو ببدنك،لكن لن تنجو قطعا بحقوقك و مكانتك المريحة فى بلدك،و مهما تكن الضغوط على الرأي الآخر، فسيظل موجودا و مؤثرا،مهما كانت المضايقات العديدة، التى تفرض على المتشبثين به،لكن الرئيس من منظور دستوري،ينبغى أن يكرس المساواة بين جميع المواطنين،بعيدا عن سياسة العقاب و الضغط،على خلفية ما يمارسون من حريتهم المشروعة و المكفولة دستوريا.
و من غريب المشهد الإعلامي و الأمني و السياسي عندنا،أن تبذل الدولة و مخابراتها جهودا مضاعفة، لتمييز و نقل و رصد بعض الآراء المتحفظة من بعض ممارسات النظام،لتضع أصحابها فى اللوائح السوداء،بينما لا تقيم الدول الديمقراطية أي حساب أو محاذير أمنية لمثل هذا،و إنما يسعون للاستفادة فحسب من الأخبار و الآراء المنشورة.
فإلى متى التعامل بهذا الأسلوب المتخلف مع آراء الناس و مواقفهم،خصوصا الإعلاميين و السياسيين؟!.
و فى هذا السياق ظل القرب من النظام،هو العامل الأول لانفتاح النظام و قبوله لشخص معين،على حساب عامل الكفاءة و الاستقامة!.
و قد يتطلب الأمر من أي صحفي مهني المزيد من الصبر،لأن توجه هذه الأنظمة المنحازة لمصالحها الضيقة،قد يضغط عليه قطعا،ليصبح مواليا دائما،بينما المطلوب منه مهنيا، التعامل بموضوعية مع مجال عمله،دون حاجة للتخندق فى فريق الموالاة أو المعارضة.
و باختصار فى موريتانيا، تسرى حرب شبه علنية، ضد كل من يعبر بحرية، و لو مع الحكمة، عن آراءه الخاصة،و هذا التمييز و التضييق ظالم و مرهق و غير مبرر،و ينبغى أن يتوقف،و ينبغى أن تعمل الجهة الحاكمة و غيرها على تكريس المساواة و الإنصاف،لصالح الجميع.