كنت في فترة سابقة قد عالجت موضوع الفن المعماري لمدينة شنقيط: أصوله ومكوناته، وفي هذا المقال نعتني أكثر بما تحتضنه المدينة القديمة من دور أثرية كانت في فترة سابقة هي أماكن سكنى علماء وأعيان المدينة، ونتيجة لظروف خاصة خرج الجميع إلى الضواحي، وبقي المسجد بعنفوانه وصومعته الشاهقة شاهدا على التراث الخالد لهذه المدينة العريقة. غير أن تلك الأطلال التي نشاهدها كلما وقفنا نتفرج عليها جعلت من المدينة إرثا إنسانيا لم تتوان المنظمة العالمية لحفظ التراث الإنساني عن محاولتها الحفاظ عليه، إلا أن تلك الجهود لم تغير من وجه المدينة العتيقة، وكأنها تريد أن تحافظ على شكلها المعماري الحالي، ونحن أبناء هذه المدينة نرى رأيا آخر طالما طالبنا به وكررناه في مجالسنا ونوادينا، بأن هذه الدور المتهالكة يجب أن يقام بإحصائها والعمل سريعا على ترميمها، ولو طال الترميم بعضا منها في مرحلة أولى، ثم يصل البرنامج إلى باقي المنازل، فالمسجد الذي هو العنصر الأساس في بقاء المدينة محافظة على رونقها التراثي محاط ببعض الدور المتهالكة وما من شك أن ذلك يجر إليه الخراب، فعلينا أن ننظر في هذه الإشكالية بشكل جدي. وما انعقاد مهرجان المدن القديمة إلا وسيلة من وسائل حفظ تراثها، وخاصة المعماري منه، ونحن نعلم أن المدينة الوحيدة التي يقبع مسجدها وصومعتهفي وسط المدينة محافظا عليه منذ قرون عديدة هي مدينة شنقيط.
فعلينا أن نتذكر هذه الحقيقة. فالمدينة القديمة تحتفظ بدار الرجل الصالح محمد قلي وهي بجانب المسجد، وبمنزل القاضي الشيخ بن حامن، ومحمد بن البشير بن البخاري بن أحمد محمود، والشيخ بن البخاري بن مامون، وأحمد شريف بن المرتضى، فمنزله يعتبر الواقي للمسجد العتيق. وبدور أبناء آل حبت، أحمد بن حبت ، وسيد محمد بن حبت، مالك مكتبتها التي بقت مدة طويلة في تلك الدور حتى سقطت أسقفها وأصيب بعضها بالتلف. فهذه المنازل يجب أن يعاد لها ألقها وتسمى بأسماء ملكها كما الشأن في الدور التراثية في العالم، أو المدارس العتيقة فهي تحمل أسماء الرجال الذين صنعوا تاريخ هذه الأمة، ولئن لم نسم عليهم شوارع وجامعات فعلينا على الأقل أن نرمم دورهم ونسميها بأسمائهم.