في بعض المجتمعات تربي الحيوانات (غير العاقلة) على احترام قواعد التعايش فتري الكلاب وحتى الحيوانات غير الاليفة (بعض المجتمعات الاسيوية والاوربية) تشارك في تفاعلات اجتماعية منسجمة مثل أداء أدوار في السرك والحفلات وحتى في الشارع او البيوت، أيضا في بعض المجتمعات المجاورة لنا يكون الشخص تحت تأثير انواع المسكرات والمخدرات ولكن يفكر ألف مرة قبل ان يسرق او يتجرأ على المحرمات الاجتماعية (مالي غالبا والسينغال احيانا) لأنها بالنسبة اليه بداية مسار الانتحار.
الامن او المجتمع
الموضوع ليس أمنيا بالدرجة الاولى بقدر ما هو "تربية اجتماعية " فمجتمعنا (أقصد مجتمع المدينة الجديد) للأسف أصبح مجتمع بلا هوية وهو ما جعل ابناءنا يتوهون في البحث عن هوية ضائعة، حينما يذهب الطفل الى الشارع يتلقاه شخوص منهم من تأثر للتو بفلم أجنبي وآخر تشبع بنزعة حقد عاتية و... الى آخر القائمة الطويلة.
لا تربية اجتماعية في مجتمع المدينة كماهي في الأرياف مثلا، حيث يتشبع الطفل بتربية اجتماعية تؤهله ان يساير السلوك الاجتماعي كما هو طبيعي، فتراه يحترم الكبير ويحرص على أداء مهام اجتماعية تمكنه من يكون شخصا إيجابيا في مجتمعه، اما طفل المدينة الجديدة فهو متذبذب بين التيارات فتراه ملتزم ببعض القواعد الاجتماعية مع اشخاص يرتبط معهم وتارة مع اخرين بنمط مختلف تماما وهلم جرا كأنه حرباء يتلون في كل مرة يتغير فيها لون الأرض التي تسير عليها، الى ان يكبر وفق هذا التجاذب السلوكي المتذبذب، فسلوك الطفل الاجتماعي في البيت مع اهله واقاربه ليس هو في الشارع مع اقرانه واصدقاءه الذين يفترض ان يتنافسوا في أدوار اجتماعية وليس هو نفس الطفل في مجتمع المدرسة الذي يفترض ان يكون ساحة للتربية والتهذيب النفسي بل اصبحت للأسف غالبا (حتى لا نعمم) هي أرضية لتعاطي المخدرات وتحدي المجتمع الحقيقي لاسيما في سنين المراهقة والأمثلة هنا اكثر من ان تحصي.
هذه الثلاثية التي تنتج سلوكا اجتماعيا متذبذبا هي محصلة ما نحن فيه اليوم من تفشي بعض الجرائم الدخيلة على مجتمعنا الموريتاني بكل مكوناته، فالأطفال يولدون بنظام أخلاقي سليم مائة في المائة بحسب كل الأديان والأعراف ولكن يفسدهم المجتمع (مجتمعات المدينة الجديدة).
التربية الاجتماعية
مما لا شك فيه أن الفرد جزء من المجتمع لذا فإن صلاح الفرد من صلاح المجتمع، من هنا يعرف الأخصائيون النمو الاجتماعي أنه مجموعة التغيرات التي تطرأ على الفرد في اتصاله بالبيئة الاجتماعية، وتكسبه العادات والعرف والقيم والاتجاهات السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه، ومع أنه يستطيع أن يتخذ مواقف خاصة به إلا أنه لا يستطيع إشباعها إلا في إطار التراث الاجتماعي والثقافي لمجتمعه.
أن التربية هي " تنشئة الإنسان وإصلاحه شيئاً فشيئاً بالتدرج في تشكيل الشخصية السوية المتكاملة في جميع جوانبها الروحية والعقلية والوجدانية والخلقية والاجتماعية والجسمية"، والتربية الاجتماعية هي " تنشئة الإنسان وإصلاحه شيئاً فشيئاً بالتدرج في تشكيل علاقته وتفاعله مع المجتمع الذي يحيط به ".
من الطبيعي أن الفرد سيرغب في خدمة مجتمعه ودولته بعد تعليمه، طالما كان "التعليم اجتماعيًا" وليس تلقينا لبعض المعارف (الشارع والبيت) والعلوم (المدرسة) التي قد لا تكون أساسية في حياة "المدينة الجديدة".
فرغم ان "مجتمعنا الجديد" يمتلك مقومات انشاء الأطفال وفق تربية اجتماعية لكنه للأسف لم يوفق في برامجه الاجتماعية ، فنحن نمتلك مندو عقود قطاعات تربوية (وزارة التهذيب في جميع مراحلها) وعدت قطاعات تعني بالأسرة والمجتمع (وزارة الشؤون الاجتماعية)، وعدت قطاعات تعني بتنمية المهارات الفنية والمهنية (التكوين المهني والتشغيل والشباب والرياضة)، هذه القطاعات يفترض بها الاستثمار في راس المال البشري وهو الانسان، بدل الاستثمارات الطائلة في بعض البرامج والتجهيزات التي لن تؤدي مهامها التي رسمت لها ، فكيف ان تكون حلول اجتماعية مستديمة.
لذلك فان أول خطوة علينا القيام بها هي إصلاح المنظومات التعليمية (التربوية والاجتماعية) في جميع مراحل حياة الفرد من خلال تفعيل ما يمكن تفعيله وإعادة تأهيل ما يمكن اعادة تأهيله، علينا أيضا الاستثمار في راس المال البشري من خلال تنمية القدرات الكامنة والتفكير الإبداعي عند الافراد ورعاية المواهب والبحث عنها وتنميتها في جميع مراحل الحياة، فمن خلال تنمية مهارات الافراد سنضع حواجز أخلاقية بينهم مع مختلف الآفات الاجتماعية من مسكرات ومخدرات وغيرها.
ثم ان تقوية روح الانتماء للمدرسة من أولويات مجتمعات المدينة الجديدة وكذلك تشجيع التداخل الاجتماعي للطلاب والمشاركة الجماهيرية في مناسبات تمكن من تبادل الأفكار الاجتماعية الإيجابية وتنميها لدي الأطفال مما سيكون له أثر إيجابي على سلوكياتهم الاجتماعية.
ثاني خطوة برأي هي التصدي لتأثير العولمة من خلال حجب المواقع الإباحية وتلك التي تتيح للأفراد اكتساب سلوكيات شاذة او غير أخلاقية، فغالبية الدول تحجب ما لا تراه مناسبا لمجتمعاتها، (الصين مثلا تحجب مواقع عالمية مهمة)، ايضا التصدي بحزم لانتشار الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والكحول وغيرها من الآفات الناتجة من تأثير العولمة.
من المناسب قبل أي وقت مضي ان تتكامل جميع القطاعات التي تعمل في مجال التربية الاجتماعية بحيث يمكنها احتواء جميع الآفات الاجتماعية في "مجتمع المدينة" من خلال تعزيز السلوكيات الاجتماعية الإيجابية وتنمية الهوية الوطنية لدي افرا المجتمع.
محمد فال يحي