يعيش الرأي العام الوطني حالة من الصدمة والذهول على وقع الارتفاع الخطير في معدلات حوادث الجريمة المنظمة في العاصمة انواكشوط و التي راح ضحيتها –مؤخرا- عدد من المواطنين مابين قتيل وجريح ،وكانت الجريمة المروعة في مقاطعة توجنين مؤشرا بالغ الخطورة لما احتوت عليه من تصرفات دخيلة على قيم المجتمع وتقاليده ولما تضمنت من إجرام بشع وانتهاك للسكينة العامة وحرابة طافحة مستفزة.
إننا ندرك جميعا أن الجريمة المنظمة ممارسة شائعة في كل المجتمعات المعاصرة وهي في العواصم والمدن الكبيرة المترامية سلوك معهود تنتهجه مجاميع الشباب المنحرف وشبكات المخدرات وعصابات التلصص .وندرك قبل ذلك وبعده أن الجريمة هي إفراز طبيعي لجملة من الإخفاقات المتراكمة في مجالات مختلفة،ومن الواضح اليوم أن هناك حاجة ضاغطة -وغير قابلة للتأجيل أو التراخي - تحتم التصدي الفوري والفعال للتأثيرات الخطيرة لتلك الإخفاقات من خلال الإسراع في تنفيذ استراتيجيات قوية وعميقة تضع في أولوياتها العناية بالتربية والتعليم تعميما وتطويرا ، بسط فرص التكوين المهني ومحاربة البطالة عبر مشاريع تشغيل واعدة ، ،التصدي القوي للفساد واجتثاث شبكاته وتجفيف منابعه ،تطوير أداء المؤسسة الأمنية وتعزيز قدراتها حتى تطلع بمهامها في حفظ الأمن بحرفية وكفاءة وحزم ، وتعزيز سلطة واستقلالية القضاء وإنفاذ أحكامه حفظا لحقوق ومصالح الناس وردعا وتنكيلا بالمجرمين .
ما نعرفه ونلمسه عمليا هو أن السلطات العليا في البلد واعية بهذه التحديات وجذورها العميقة ،وهي عاكفة على اعتماد وتنفيذ مقاربات متكاملة تؤسس لتنمية مستدامة وتعزز مسار الحوكمة الرشيدة وتضع واقع الفئات المهمشة والفقيرة في صلب برامجها،وبموازاة ذلك هناك تحرك جدي لرسم مقاربة فعالة في بسط الأمن الداخلي وتعزيز القدرات الفنية والمالية للأجهزة الأمنية وإشراك لجان مقاطعية وبلدية في الجهد الأمني ،ومراجعات الثغرات القانونية المسجلة وتعزيز سلطة القضاء وإصلاح المؤسسة السجنية.
من المشروع جدا بل والمفرح إدانة وشجب حوادث الجريمة،والضغط الشعبي للتحرك نحو اجتثاث منابعها ،والتنبيه الراشد على أسبابها العميقة والمطالبة بالتصدي السريع لها عبر مقاربات عميقة ومجدية،ولكن من المؤسف التوظيف السياسوي لحوادث الجريمة خدمة لأجندات صغيرة ومؤسفة.
لقد كان دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام للبلد الحرام جامعا وعظيما ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾، فحقق الله لهم تلك الدعوة الصالحة ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾،وإننا في هذا البلد الطيب المسالم نتضرع إلى الله عز وجل أن يحفظ أمن البلد واستقراره وأن يرفع عنه الغلاء والوباء والفساد وأن يرزق أهل من الثمرات وأن يرد عنه كيد المتآمرين .