في العام 1959 نشر "سيمورمارتين لبسيت" مقاله الشهير: "بعض المقتضيات الاجتماعية للديمقراطية"، وعلى مدار النصف الأخير من القرن العشرين بقي الاعتقاد السائد هو تأكيد العلاقة الوطيدة بين مستوى النمو الاقتصادي لبلد ما واحتمال أن يكون هذا البلد ديمقراطيا.لكن العلاقة بين النمو والديمقراطية، تآكلت مع الزمن في وقت تبنت مجموعة من الدول الفقيرة أنظمة ديمقراطية. كما يؤكد عالم السياسة الأمريكي "لاري دايموند" في كتابه "روح الديمقراطية" .
وفي الوقت الحالي اتجه النقاش الأكاديمي حول علاقة التنمية بالديمقراطية وجهة جديدة، فلم يعد الأمر يتعلق بدور التنمية الاقتصادية في الترسيخ الديمقراطي، بل ركزت الدراسات الجديدة على الدور الرائد والجوهري للديمقراطية في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة، فبحسب "دارناسيموجلو–جيمس ،أ. روبنسون" في مؤلفهما الرائد (لماذا تفشل الأمم، أصول السلطة والازدهار والفقر): " يكمن حل الفشل الاقتصادي والسياسي للأمم اليوم في تحويل مؤسساتها الاستحواذية المستخلصة للثروات إلى مؤسسات ديمقراطية شاملة"( وفي تقديمه للكتاب اعتبر "كينيث دجي. أرو" الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1972م أن "المؤلفان أوضحا أن الدول تنجو فقط من شبح الفقر، عندما تملك مؤسسات اقتصادية فاعلة... وعندما يكون لديها نظام سياسي تعددي، مع وجود المنافسة على الفوز بالسلطة السياسية وانفتاح واستعداد لتقبل زعماء سياسيين جدد، إن هذه العلاقة الحميمة بين المؤسسات السياسية والاقتصادية تمثل جوهر إسهامهما الرئيسي حول واحدة من القضايا الجوهرية في مجال علم الاقتصاد والاقتصاد السياسي"، لقد تمت البرهنة من خلال نماذج من التاريخ والواقع أن الديمقراطية بحسب "داني رودريك" من جامعة هارفاد، تخلق الكيفية التي تجعل القوى الاقتصادية، والسياسات، واختيارات السياسة، تتطور معا ويقيد بعضها بعضا، وكيف أن المؤسسات تؤثر في ذلك التطور تعد هامة وجوهرية لفهم وإدراك حالات النجاح والفشل المتعلقة بالمجتمعات والأمم".
وحول إسهام الديمقراطية في مكافحة الفقر المدقع والمجاعات، حصل"أمارتيا سين" على جائزة نوبل للاقتصاد للعام 1998بفضل توصله جزئيا إلى فكرة أن الدول الديمقراطية لا تعاني حالات المجاعة. يرجع هذا إلى رفع التدفقات الحرة نسبيا للمعلومات في دولة ديمقراطية ما من مستوى حالة الطوارئ الغذائية (وحاجيات أخرى) في الوقت الذي تمنح فيه ميكانيزمات المسئولية السياسية، السياسيين حافزا قويا لتحمل مسئولياتهم"
إن الانفتاح وتطبيع الوضع السياسي يمثل ضرورة سياسية لتعزيز شرعية المؤسسات وضمان فاعلية السياسات العمومية،ومن المهم جدا أن يرافق ذلك تعزيز الحوكمة الرشيدة في المجال الاقتصادي عبر "نظام دخول مفتوح" يبرز "المنافسة المنتظمة والدخول والحركة" في الفضاءين الاقتصادي والسياسي.
إن حل الفشل الاقتصادي والسياسي للأمم يكمن في تحويل مؤسساتها الاستحواذية المستخلصة للثروات إلى مؤسسات ديمقراطية شاملة.يقدم كل من "غيورغ سورنسن " و"دارن اسيموجلو–جيمس أ. روبنسون" دولا إفريقية مثل: موريشيوس وبوتسوانا ، كمرشحتين بارزتين جديرتين بمزيد من الدراسة، فكيف كان من شأن مورشيوس وبوتسوانا أن تنجحا اقتصاديا، وفي الوقت عينه تؤسسان ديمقراطيتين سياسيتين فعالتين؟
يقدم لنا تحليل ابرايرا (وتيرنس كارول) إجابة عن هذا السؤال فقد حددا العوامل التالية الكامنة وراء النجاح السياسي والاقتصادي لبتسوانا وموشيوس، ويتمثل تحديدا في:
1- قادة سياسيون محنكون ملتزمون شخصيا بالحكم الديمقراطي والتنمية الاقتصادية.
2- إنشاء بيروقراطية للدولة ذات كفاءة ومستقلة سياسيا وتتبع في شؤون موظفيها بالدرجة الأولى سياسات الاستحقاق، لكنها ذات تكوين تمثيلي نسبيا لمجتمعاتها.
3- تطوير فضاء عام قادر في حدوده الدنيا على فرض ضوابط على أفعال الدولة، ويتصف بقدرته على الموازنة بين المعايير العالمية والمعايير الخاصة، وباعترافه البراغماتي العملي بدور التمثيل المهم للمنظمات والمؤسسات القبلية أو العرقية.
د. سيد أعمر شيخنا