أياً تكن قصةُ مقتل الرئيس التشادي المارشال إدريس ديبي وملابساتُها الغامضة، والتي قدّمت الصحافةُ الفرنسيةُ روايتين حولها إلى الآن، فإن واقع اللحظة التشادية الراهنة يشتمل على أربعة عناوين رئيسية:
أولها أن غياب الرئيس الذي كان يمسك بيديه كل قرارات ومفاصل السلطة، من الحرب والأمن إلى الاقتصاد، مروراً بالإعلام والبنية التحتية والانتخابات والتعيينات.. لابد أن يحدِث إرباكاً شديداً ويغيّر جميع الخطط ويتسبب في خلخلة منظومة الحكم ككل، ومن ذلك أداء قوات الجيش وتماسكها وهي تخوض القتال على الجبهة المشتعلة ضد مقاتلي التمرد.
وثانيها أن القفز على الدستور التشادي الذي يسنِد خلافة رئيس الجمهورية في منصبه إلى رئيس البرلمان، وتقليدَها بدلا منه لضابط عسكري شاب فقط لأنه ابن الرئيس ومن صلبه.. عملية يصعب تمريرها بسلاسة في بلد جمهوري تعاقب على حكمه (منذ الاستقلال) عدد كبير نسبياً من الرؤساء ذوي الخلفيات العرقية والقبيلة المختلفة، وإن لم يكن تعاقباً ديمقراطياً.
وثالثها أن المعارضة المدنية التشادية، رغم عقود من القبضة الأمنية وهيمنة السلاح على حساب الحياة السياسية والحزبية، بقيت منها بذور وعروق وجذور قابلة للنمو السريع ومحاولةَ ملء الفراغ الذي تكرهه الطبيعة في أي مكان من العالم. ولا شك أنها ترى الآن في غياب إدريس ديبي فرصتها الذهبية للعودة إلى الميدان عبر الانتظام مجدداً في تشكيلاتها التعبوية القديمة أو أخرى جديدة بديلة عنها.
أما العنوان الرابع والأخير فهو أن الرئيس الفرنسي ماكرون بإعطاء دعمه الكامل لعملية انتقال السلطة من ديبي الأب إلى ديبي الابن ربما كان متسرِّعاً، ومن ثم فقد غامر بمكانة بلاده ودرها في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، إذ قد لا يكفي هذا الدعم لتثبيت الشاب الجديدة في خلافة والده، وربما يضر بصورة فرنسا التي سينظر إليها في هذه الحالة على أنها صانعة لجليلٍ جديد من الرؤساء العسكريين قد لا تمثل الديمقراطية والحكم الرشيد أولوية لهم، وبالتالي فثمة كثيرون في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية سيحمِّلون باريس بقاء المنطقة في الحلقة الجهنمية للتخلف والدكتاتورية والصراعات الداخلية.