ويل للإنشاء من الإنشاد.. 

ويل للإنشاء من الإنشاد.. 
وردت العبارة في سياق آخر:(ويل لغن من حكايينو)، والمراد مَن يفسده حين يقرؤه...
لكنَّ ويلا آخر ليس أقل خطرا، يحصل مع الصحة، هو الأداء الرديء..
فكم من نص جميل ظلمه صاحبه بسوء الأداء، وكم من نص هزيل جعله الأداء الحسن شيئا مذكورا..
ألسنا نصغي بخشوع، ونذوب في من يتلو كتاب الله بصوت حسن، ونميل إليه، ونفضله على من يتلوه بخلاف ذلك، والنص هو هو، كتاب الله المعجز الذي لا ياتيه الباطل أبدا..
حين ننبهر بنص شعري جميل، نبادر بالسؤال التقليدي: هذا لمن؟ من صاحب هذا النص؟ كأن قدر القصيدة أن تظل يتيمة نبحث لها عن كافل، أو لقيطة نبحث لها عن أب..
فننشغل بالشاعر عن الشعر، وننصرف عن استكشاف قيم النص الجمالية، والأخلاقية، والفنية، وعن رسائله، ومعانيه، بالبحث عمن نلصقه به، كتائه مترنح، أو مهاجر بلا أوراق..
نصوصنا مثل أبنائنا، منهم الذكي الحاذق، والقريب المؤنس، والبار المتودد، ومنهم البليد المزعج، والأحمق المقلق...
لا ينبغي أن تكون قيمة الأثر مرتبطة صعودا، وهبوطا بنسبته إلى صاحبه..
لن نعيش صحوة أدبية قبل ظهور حركة نقدية صحيحة، يكون الرأي فيها خالصا لوجه الفن، والحقيقة، بعيدا عن المؤثرات العاطفية، التي تفرض على أصحابها الركون إلى المجاملات، والانطاباعات السريعة، والمرتجلة، المتأثرة بالقرابة، والصداقة، والجهة، والقبيلة، والإيديولوجيا..

آن لنا أن نسمع الناقد اليوم يصف شعرا لشاعر (كبير)، أو نصا لكاتب(عظيم) بقوله- إن كان محقا في ذلك-: (في هذا سخف، وفي هذا تناقض، وفي هذا اعوجاح، وإسفاف..وهذا لا يستقيم..)، فلا يفهم منه استهداف شخصي، أو انتصار لعلاقة خاصة، ويظهر أن المكانة الرفيعة للشخص لا تمنح لآثاره الحصانة من الرداءة، والزلل..
النقد هو الميزان الذي يحدد قيمة الآثار، ويمنحها ما تستحق من الأحجام، يعزل غير المفيد عن المفيد، ويصفي النافع من الضار..دون تمييز، أو تأثير..
وينبغي أن تظل ثقوب غرباله واحدة، بنفس السعة أمام الآثار كلها، فلا تُضَيَّق على بعض، ولا تُوَسَّع لبعض..
ما أرخص الشعر حين يخضع للتسمين بالقبلية، أو الجهوية، أو اللونية..
آن لمن يتسلقون على درج الاستحسان الكاذب، والمجاملات المغالطة، والإسراف في التوزيع المجاني والفوضوي للألقاب إلى مراتب الشهرة المزيفة، أن يُوقَفوا عن الصعود، ويُرَدوا إلى مواقعهم الصحيحة...
وحري بمن يمارسون مهارة النفخ المتواصل أن يرحموا أشداقهم، ويعطفوا عل من لا يملكون جلودا من المطاط، وأن يرعووا عن مغالطة المتلقي بإعطائه صورة كاذبة لما يستهلك من بضاعة الكتاب، والشعراء، وعن مغالطة الباث نفسه حين يخيل إليه من زور ما وُصِف به، أنه شيء يشار إليه، ويذكر، وما هو في ميزان النقد الصحيح بشيء...

اثنين, 05/05/2025 - 18:55