
عندما أراد ترامب اختيار مستشاره الاقتصادي خلال مأموريته الأولى طلب من صهره كوشنر (زوج إيفانكا) المساعدة مشترطا بأن يتمكن المستشار من تقديم اقتراحات تجعله يبدوا قويا في وجهالصين، وبدل أن يبحث كوشنر عن أي شخص من دائرته الخاصة أو من الأكاديميين الاقتصاديين بحث مباشرةً في موقع أمازون عن الكتب الاقتصادية، وقام بفرزها حسب المبيعات فظهر له كتاب "الموت على يد الصين " لكاتبه بيتر نافارو، الرجب الذي سيصبح عراب الرسوم الجمركية الترامبية.
ولد نافارو في 15 يوليو 1949 في مدينة كامبريدج أشهر قليلة قبل وقوف الزعيم الصينى الراحل ماو تسي تونغ في ساحة تيان آن من أو ميدان السماء معلنا عن وقوف الشعب الصني على أقدامه، و قيام جمهورية الصين الشعبية، وقد نشأ نافارو في فلوريدا والتحق بجامعة تافتس بمنحة دراسية أكاديمية، وتخرج عام 1972 بدرجة البكالوريوس في الآداب، ثم أمضى ثلاث سنوات في فيلق السلام الأميركي خلال حرب الفيتنام، وحصل بعد ذلك على درجة الماجستير في الإدارة العامة من كلية "جون إف. كينيدي" بجامعة "هارفارد" عام 1979، ودكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد عام 1986، وخلال تسعينيات القرن الماضي ، حاول نافارو عدة مرات دخول السياسة وترشح للكونجرس خمس مرات دون جدوى.
ومع دخول القرن الحادي والعشرين ، وصعود الصين السلمي بدأ تركيز أبحاثه يتحول نحوها، وأصبح ينظر إليها باعتبارها تهديداًحقيقيا للولايات المتحدة الأمريكية، ومن عام 2006 إلى 2014 ، كتب نافارو ثلاثة كتب، وهي كتابه الأول "حروب الصين القادمة"، وتلاه كتاب "الموت على يد الصين: مواجهة التنين" في عام 2011 (مع غريغ أوتري)، ثم "النمر الرابض: ماذا تعني العسكرة الصينية للعالم؟" في عام 2015 ، وجهات نظر هذه الكتب الثلاثة متناسقة بشكل كبير،وتتعلق بشكل رأسي بكيفية تأثير دور الصين في الصراعات التجارية الدولية مع البلدان الأخرى في قضايا مثل الطاقة والموارد الطبيعية والبيئة وحقوق الملكية الفكرية، وكيف يتسبب ذلك في ضرر للبلدان الأخرى، وقد زعم أن الولايات المتحدة ينبغي لها من أجل الحفاظ على هيمنتها أن تفرض حصاراً عسكرياً، ورسوماً جمركية للحد من صعود الصين، و يمكن القول إن هذه الكتب الثلاثة قد استجابت في الوقت المناسب للمشاعر المضطربة للطبقات الدنيا في الولايات المتحدة المؤيدة لسياسية الترامب "أمريكا أولا"، لذلك كانت جميعها تقريبًا من أكثر الكتب مبيعات ،وقد أشاد ترامب بكتاب " الموت على يد الصين "بعد قراءته قائلاً إنه "يصيب الهدف تمامًا، فهو يصف مشاكلنا مع الصين بالحقائق والأرقام والرؤى الثاقبة"، الكتاب الذي تم تحويله إلى فيلم وثائقي يرويه مارتن شين.
وفي 21 ديسمبر 2016 ، أعلن ترامب عن تعيين نافارو لقيادة المجلس الوطني للتجارة الذي أنشئ حديثاً في البيت الأبيض، ويمكن القول إن كل سياسات التعريفات الجمركية في عهد مأمورية ترامب الأولى التي أدت إلى إشعال الحرب التجارية الأمريكية الصينية سنة 2018 كانت من بنات أفكار نافارو.
وفي عام 2019، اعترف نافارو أنه أدخل شخصية خيالية تدعى "رون فارا" (Ron Vara) في كتابه الموت على يد الصين ، مستخدما إياها في تقديم اقتباسات تهدف إلى تشويه صورة المنتجات الصينية، وبعد انتخاب ترامب رئيسا للمرة الثانية قام بإعادة تعيين نافارو مستشارا كبيرا للبيت الأبيض في مجال التجارة والتصنيع، مما يجعله الشخص الوحيد الذي تم الاحتفاظ به من فريق ترامب الأول، ثم لدينا ما نراه اليوم، ترامب يفرض رسومًا جمركية على العالم أجمع قلبت الأسواق رأساً على عقب وقد تحدث تغييرا عميقا في شكل التجارة الدولية، فلا عجب إن كانت الجذورر الفكرية لرسوم ترامبالجمركية تعود إلى شخصية خيالية أو احتيال أكادمي إن صح التعبير،فقد احتلت أمريكا بوش العراق وقتلت أكثر من مليوني عراقي بذريعة أنبوب اختبار يحتوي على عينة من مسحوق غسيل الملابس عرضها وزير خارجيتها حينها كولن باول يوم 5 فبراير 2003 في اجتماع لمجلس الأمن الدولي قائلا أنها عينة "لسلاح دمار شامل" يطوره العراق."
د. يربان الخراشي