الخط البحري بين الجزائر وموريتانيا: طريق جديد نحو العمق الإفريقي

يشكل افتتاح الخط البحري المباشر بين الجزائر وموريتانيا 2 أبريل 2025، لحظة فارقة في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، ويفتح آفاقا جديدة لموريتانيا للعب دور محوري في ربط شمال إفريقيا بغربها، خاصة في ظل التقدم الموازي في مشروع الطريق الرابط بين تيندوف ـ زويرات. وتعكس هذه الخطوة توجها جزائريا لتوسيع مجالها الاقتصادي جنوبا، وتوفر لموريتانيا فرصة استراتيجية لإعادة تموضعها ضمن شبكات المبادلات الإقليمية الكبرى. ويكتسب هذا التطور أهمية إضافية في ظل المتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الساحل، وازدياد الحاجة إلى صيغ تكامل واقعية خارج الأطر السياسية الجامدة التي تعثرت سابقا.

 

 

أولا: سياق إطلاق الخط البحري

 

يأتي تدشين الخط البحري كجزء من رؤية جزائرية شاملة لتوسيع منافذها نحو إفريقيا جنوب الصحراء عبر موريتانيا، بالاعتماد على الجمع بين النقل البري والبحري. ففي الوقت الذي يجري فيه العمل على إنجاز طريق تيندوف – زويرات، يمثل الخط البحري الجديد نحو ميناء نواذيبو امتدادا طبيعيا لهذه الرؤية، بما يسمح به من مرونة في نقل البضائع الجزائرية إلى موريتانيا، ثم إعادة تصديرها نحو بلدان غرب إفريقيا.

وينظر إلى هذا الربط كمكون من مكونات مشروع جيواقتصادي متكامل، يسمح بخلق سلاسل إمداد بديلة عن الطرق التقليدية، ويخفف الضغط عن المنافذ الشمالية للجزائر.  كما أن اختيار ميناء نواذيبو يعكس إدراكا جزائريا لأهمية الجغرافيا البحرية الموريتانية، لا فقط كمجرد نقطة وصول، بل كبوابة نحو أسواق المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

 

 

ثانيا: موريتانيا من هامش الطريق إلى مركز الربط

 

يفتح الخط البحري الجزائري آفاقا ملموسة أمام الاقتصاد الموريتاني، بدءا من تنويع مصادر التوريد، وتخفيض كلفة النقل، ووصولا إلى تنشيط حركة التصدير خاصة في قطاع الصيد البحري، الذي يعاني من ضعف قنوات التسويق الإقليمي. كما يشكل هذا التطور دعما مباشرا لديناميكية منطقة نواذيبو الحرة، التي ظلت تبحث عن اندماج أكبر في شبكات التبادل الإفريقية وبدا في وقت من الأوقات أنها على حافة الفشل.

 

وتأتي أهمية المشروع أيضا من كونه يتيح لموريتانيا لأول مرة الدخول في منظومة نقل بحري منتظم مع شريك مغاربي، في وقت تشهد فيه المنطقة شبه غياب لخطوط بحرية مغاربية نشطة. ومن شأن انتظام هذه الرحلات البحرية ووجود حد أدنى من الحمولة أن يسهم في تثبيت الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين، ويفتح الباب أمام تطوير خدمات مرافقة (تخزين، تغليف، توزيع) داخل التراب الموريتاني.

 

 

ثالثا: أفق التكامل الإقليمي، ما وراء النقل والتجارة

 

يتجاوز أثر الخط البحري الجانب التجاري المحض، ليطرح إمكانيات أوسع للتكامل الإقليمي، سواء عبر تنسيق السياسات اللوجستية، أو تطوير بنية تحتية مشتركة، أو حتى من خلال إنشاء تكتلات تصديرية نحو الأسواق الإفريقية. ويمكن لهذا النوع من الربط أن يشكل نواة لممر اقتصادي جديد عابر للصحراء، إذا ما تم توسيعه لاحقا ليشمل خطوطا نحو دول إفريقية أخرى.

 

كما يتوقع أن يساهم الخط في إعادة تعريف وظائف بعض الموانئ الموريتانية، وتوسيع مجالها التجاري جنوبا وشرقا، بدل اقتصارها على الربط الأوروبي. وهو ما يمنح موريتانيا هامش مناورة أكبر، سواء في التفاوض مع شركائها التقليديين أو في جذب استثمارات جديدة.

وبينما تقدر السوق الإفريقية الغربية بنحو 800 مليار دولار، وأكثر من 400 مليون نسمة، فإن تحوّل موريتانيا إلى حلقة وصل أساسية في سلاسل الإمداد المغاربية الإفريقية يتطلب تحديث الإطار التشريعي، وتطوير الخدمات، وتوفير بيئة تنافسية تضمن ديمومة الخط وتنوع الشركاء.

 

وفي الختام يمكن القول بأن افتتاح الخط البحري بين الجزائر ونواذيبو، يمثل نقطة تحول استراتيجية لموريتانيا، وفرصة لإعادة التموقع داخل شبكات المبادلات الإقليمية الكبرى. كما يعكس تحركا براغماتيا من الجانبين لتجاوز المعوقات الجيوسياسية عبر أدوات اقتصادية مرنة. غير أن استدامة هذا المكسب تتطلب رؤية واضحة، واستثمارا متعدد الأبعاد في البنية التحتية، والحكامة اللوجستية، والتفاعل الإيجابي مع الديناميكيات الإفريقية الناشئة.

 

 

مركز أودغست للدراسات الإقليمية

06 أبريل 2025

أحد, 06/04/2025 - 23:23