هل أنتم جادون في الحوار؟

 أجد نفسي اليوم أمام خيارين، لكل منهما مبرراته. الخيار الأول هو تجاهل الحوار الوطني المرتقب وعدم تعليق أي آمال عليه، وهو موقف يستند إلى تجاربنا السابقة. ففي ثقافتنا الشعبية، يُقال إن لدغة الأفعى تزرع في نفوس ضحاياها فوبيا مزمنة من الحبال. وبالمثل، تركت لنا حواراتنا الوطنية منذ مؤتمر آلاك حتى اليوم تراكماً من الخيبات، جعلنا نشعر بالتوجس والانزعاج كلما سمعنا بمصطلح "حوار وطني شامل."
الخيار الثاني هو أن أستفيد من ثورة تكنولوجيا المعلومات للتعبير عن آرائي وتقديم الحلول التي أراها مناسبة لوضعنا الراهن، حتى لا أكون مجرد متفرج أو هامش في نقاشات الآخرين. 
لي رأيي مثلما للمواطنين آراؤهم ، فعلى المستوى السياسي أرى بشكل واضح عدم تكافؤ في الفرص بين العسكريين السابقين والمدنيين، إذا ما تنافسوا معاً في الانتخابات الرئاسية. دون الدخول في التفاصيل، أقترح على المتحاورين سنّ قانون يفرض فترة زمنية لا تقل عن ثلاث سنوات بين خروج العسكري من الخدمة وترشحه للرئاسة.
وفيما يتعلق بالبرلمان، ما دامت الأحزاب الصغيرة تبيع الترشح لمن يدفع أكثر، فإن البرلمان سيتحول إلى مزاد علني أو سيرك له تذاكره ، مدفوعة الثمن . ولمحاربة هذه الظاهرة، أقترح أن يتضمن الحوار بنداً يفرض على أي مرشح للبرلمان أن يكون منتسبا قبل سنتين على الأقل للحزب الذي سيرشحه . ولضمان عدم التلاعب، يجب إنشاء منصة إلكترونية مستقلة تسجل فيها الأحزاب منتسبيها بأرقامهم الوطنية وتواريخ انتسابهم.
أما فيما يتعلق بترخيص الأحزاب، فأقترح أن يتفق المتحاورون على معايير محددة وغير تعسفية، بحيث يصبح ترخيص أي حزب تلقائياً إذا استوفى هذه الشروط، وبذلك نحد من تدخلات وزراء الداخلية ونعزز الشفافية في العملية السياسية.
على الصعيد الاقتصادي، أرى خللاً في آلية الترخيص للبنوك الوطنية، فالأمر يوشك أن يصل بنا إلى عصر يصبح فيه لكل قبيلة أو عائلة أو جهة مصرفها الخاص. لذلك، أقترح إنشاء مصارف تعمل وفق الشريعة الإسلامية، تهدف إلى تعزيز وجود طبقة وسطى تمثل الغالبية العظمى من الشعب. فالطبقة الوسطى هي المؤشر الحقيقي الذي يعكس مدى تقدم الدولة وسيرها في الاتجاه الصحيح.
وجود طبقة وسطى تضم المعلمين والأساتذة والأطباء والممرضين ورجال الأمن والمهندسين وغيرهم، سيوفر صمام أمان يحمي المجتمع من المخاطر الداخلية والخارجية، كما سيحسن  قطاعات التعليم والصحة والخدمات. 
وفي هذا المجال أرى أن تقدم هذه المصارف قروضاً ميسرة وغير ربوية لهذه الفئات، لتمكينهم من تملك السكن، وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم تعليم الأبناء، مما يساهم في تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة.
على المستوى الاجتماعي، أرى ضرورة دمج مفوضية الأمن الغذائي وبرنامج "التآزر" وغيرها من المؤسسات التي تعمل في نفس المجال، وذلك لتشكيل مؤسسة واحدة قوية على غرار تجربة "سونيمكس" في صيغتها القديمة، التي تعتبر أنجح نموذج في دعم الفئات الهشة.
أما في قطاع التعليم، أقترح إعادة صياغة المناهج الدراسية عبر تشكيل لجنة تضم فقهاء وعلماء اجتماع وخبراء في التربية وكبار المثقفين والأكاديميين، إلى جانب ممثلين عن رجال الأعمال وأولياء الأمور. هذه اللجنة ستتولى وضع مناهج تعليمية تتوافق مع متطلبات سوق العمل وسياستنا التنموية، مع مراعاة خصوصيات مجتمعنا في مختلف المجالات.
بالطبع، كل هذه المقترحات لن تؤتي ثمارها إلا إذا رافقها التزام صارم بالعدل والحكامة الرشيدة ومحاربة الفساد، لأن غياب هذه العناصر سيفقد أي إصلاح تأثيره المطلوب.
هذا رأيي الذي أكتبه بدافع حبٍ عميق لهذه الأرض، ورغبةً صادقة في أن يكون لي صوت مسموع في الشأن العام. ولا أخفي عنك، أيها القارئ الكريم، أنني أتمنى أن يصل هذا الرأي إلى مسامع السلطات العليا وقادة الأحزاب السياسية، إذا كانوا حقاً جادين في الحوار؟ لأن الحوار بدون الاستماع الجاد لآراء المواطنين لن يكون سوى تمرين شكلي بعيد عن تلبية طموحات الشعب والتعامل مع التحديات الفعلية.

 

بابه ولد يعقوب ولد أربيه 
مهندس في مجال المياه والصرف الصحي 
واتساب : 38422201

أربعاء, 26/02/2025 - 11:08