الهيدروجين الأخضر بين الواقع والتحديات

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الهيدروجين الأخضر ودوره الفعال في انتاج طاقة نظيفة وصديقة للبيئة، سواءا على المستوي الوطني أو العالمي، وهناك توجه رسمي حول انتاجه بالتعاون مع شركات عالمية متخصصة في المجال، سنحاول في هذا المقال تشكيل صورة مختصرة عن ماهية الهيدروجين وطرق انتاجه ،و تأثيره علي  مستقبل  البلد ، باختصار حتى لا يحصل الملل للسادة القراء.

مع تزايد إدراك العالم للتبعات البيئية والاقتصادية والصحية الكارثية للتغيرات المناخية، بسبب ظاهرة الدفء العالمي، نتيجة زيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، كثاني أكسيد الكربون والميتان، تسعى العديد من حكومات دول العالم بالتعاون مع القطاع الخاص ممثلاً في الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، إلى إيجاد حلول لخفض الانبعاث الكربوني، بل الوصول إلى النقطة المعروفة بالحياد الكربوني أو الصفر كربون.

وهو ما يعني بالضرورة ابتكار حلول وتطوير مصادر جديدة للطاقة، تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وخصوصا في التطبيقات والاستخدامات التي لا يمكن فيها استخدام الكهرباء المنتَجة من مصادر متجددة نظيفة. وهو بالتحديد المجال الذي يمكن للطاقة المنتَجة من الهيدروجين أن تؤدي دورا هاما ورئيسيا، كون استخدام خلايا الوقود المعتمدة على الهيدروجين، تقتصر فقط على الماء والحرارة.

ولكن رغم أن الهيدروجين هو العنصر الكيميائي الأكثر انتشارا في الكون على الإطلاق، إذ يتواجد حتى في الشمس والنجوم والمجرات البعيدة، إلا أنه نادرا ما يتواجد في صيغة منفردة، بل يوجد مرتبطا بعناصر أخرى، مثل عنصر الأكسجين، لتكوين الماء. وهو ما يعني، ضرورة استخدام طاقة لفصل الهيدروجين عن الأكسجين، ثم استعادة جزء كبير من هذه الطاقة عندما يجتمع هذان العنصران سويا مرة أخرى في خلايا الوقود. هذه العملية بالتحديد، ونوع الطاقة المستخدمة للحصول على الهيدروجين النقي، ينتج عنها ثلاثة أنواع من الهيدروجين: الرمادي، والأزرق، والأخضر. جميع أنواع الهيدروجين هذه متطابقة تماما في الصفات الفيزيائية والكيميائية، والاختلاف الوحيد بينها هو في نوع الطاقة التي تستخدم لفصل الهيدروجين.

 يتم إنتاج الهيدروجين الرمادي، باستخدام طاقة مستمَدة من حرق الوقود الأحفوري، وبشكل رئيسي الغاز الطبيعي. مثل هذه العملية ينتج عنها في الأساس غاز ثاني أكسيد الكربون نتيجة حرق الوقود الأحفوري. ولذا ربما هي أسوأ من استخدام الوقود الأحفوري مباشرة، بسبب الفارق بين الطاقة المستخدمة والطاقة الناتجة، مما يتطلب حرق المزيد من الوقود للحصول على كمية معادلة من الطاقة.

النوع الثاني، هو الهيدروجين الأزرق، يشبه تماما في عملية إنتاجه مع الهيدروجين الرمادي، ولكن الفارق هو أن ثاني أكسيد الكربون الناتج من حرق الوقود الأحفوري، يتم جمعه، ثم تخزينه في باطن الأرض. هذا الأسلوب ولو كان يبدو نظريا منطقيا، إلا أن الواقع العملي يخالف النظري بفارق كبير. حيث يتم حاليا صرف أقل من نصف ثاني أكسيد الكربون الناتج، كما أن هذه العملية ينتج عنها تسرب غاز الميتان، الأكثر قوة بمقدار 80 ضعفا من ثاني أكسيد الكربون في التسبب في الاحتباس الحراري.

 أما النوع الثالث من الهيدروجين، فهو الهيدروجين الأخضر، الذي تُعلَّق عليه حاليا آمالا كبيرة كمصدر رئيسي للطاقة في المستقبل، فلا يتم إنتاجه باستخدام الوقود الأحفوري، وإنما بالاعتماد فقط على مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، ودون التسبب في أي انبعاث يذكر. ومرة أخرى، يبدو للوهلة الأولى أن هذه الأسلوب يعتبر منطقيا وعمليا، ولكنه في الواقع يواجه مصاعب عدة؛ فبداية، يشكل هذا النوع من الهيدروجين جزءاً ضئيلا من إجمالي الإنتاج العالمي من الهيدروجين، كما أن إنتاجه مرتفع التكلفة وبفارق كبير. ثانيا، وبغض النظر عن النوع، يتميز الهيدروجين بكونه منخفض الطاقة، حيث يتطلب إنتاج نفس الكمية من الطاقة من الهيدروجين، ثلاثة أضعاف الحجم المطلوب من الغاز الطبيعي، وهو ما سيتطلب أماكن تخزين ضخمة، بحجم ثلاثة أضعاف المطلوب للغاز الطبيعي.

 الحقيقة أن انتاج الطاقة المنتجة باستخدام المصادر النظيفة المتجددة، لا تزال محدودة إلى حدٍّ كبير. 

وقع البلد  في عام  2021 اتفاقيات لتنفيذ مشروع نور للهيدروجين الأخضر، أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر في أفريقيا، بقدرات تصل إلى 10 غيغاواط من مصادر الطاقة النظيفة باستثمارات تصل إلى نحو 3.5 مليار دولار، وفق المعلومات ,ويتيح القرب الجغرافي لمشروع نور للهيدروجين من ميناء نواذيبو على ساحل المحيط الأطلسي ومن الأسواق الأوروبية الكبيرة، خيارات تصدير مناسبة، مع إمكان جعل موريتانيا واحدة من المنتجين والمصدّرين الرؤساء للوقود منخفض الكربون في العالم, وعلي الرغم من الآفاق الإيجابية للقطاع، الي أنه توجد  العديد من التحديات التي تحتاج إلى معالجة لتحقيق طموحات الهيدروجين الأخضر في أفريقيا، بما في ذلك الحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية -مثل خطوط الأنابيب والموانئ ومرافق التصدير- ووضع أطر قانونية واضحة ودعم تنظيمي لجذب الاستثمارات, التي تحتاج تعاونا ومبادرات دولية للتمويل.

صحيح أن أوربا تعتبر أكبر مستهلك للطاقة وصحيح أنها تدعم أي مصدر للطاقة يغنيها عن الاعتماد على الغاز الروسي، لكن الوصول لمعدل انتاج عالي يتطلب الكثير من التمويل والتعاون مع الاتحاد الأوربي.

ان حقول الرياح الموجودة في البلاد، ومعدل سرعتها المرتفع، لا تكاد توجد في أي بلد آخر، وكذلك ارتفاع معدل الإشعاع الشمسي طوال السنة، إضافة للمساحة الشاسعة وقلة السكان والموقع القريب من الأسواق الأوروبية، كلها عوامل تجعل من تجعل موريتانيا مهيئة لتبوء مكانة مرموقة في انتاج الهيدروجين الأخضر، وتسويقه بسهولة.

نتمنى أن نري بلدنا في مقدمة الدول المصدرة للطاقة النظيفة، وما يحمله ذالك من قيادة ودفع العالم نحو استخدام طاقة نظيفة، وتشجيع احترام البيئة من مسببات التلوث.

 

محمد عينين أحمد

رئيس الجمعية الموريتانية للسلامة والصحة المهنية والمحافظة على البيئة

سبت, 08/02/2025 - 08:08